للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن صالحَ عن مُوجَبِ الكفالةِ لم يَبْرأْ الأصيل، وإن قالَ الطالبُ للكفيلِ: بَرِئتَ إليَّ من المالِ، رجعَ إلى أصيله، وكذا في بَرِئْتَ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - خلافاً لمحمدٍ - رضي الله عنه -، وفي أبرأتُكَ لا يرجعُ، ولا يصحُّ تعليقُ البراءةِ عن الكفالةِ بشرطِ كسائرِ البراءات، كما إذا قال: إن قدمَ فلانٌ من السفرِ أبرأتك من الدَّينِ لا يصحُّ البراءةُ منه.

قلت: أمَّا عند مَن جَعَلَ الكفالةَ ضمُّ الذمّةِ إلى الذمّةِ في الدَّينِ فظاهرٌ، وأمَّا عند الآخرينَ، فإنَّ المكفولَ له إذا مَلَكَ الدَّين من الكفيلِ إما بالهبةِ، أو بالمعاوضةِ، فالدَّينُ يُجْعَلُ ثابتاً في ذمَّةِ الكفيلِ ضرورةَ صحَّةَ التَّمليك. كذا قالوا.

(وإن صالحَ عن مُوجَبِ الكفالةِ لم يَبْرأْ الأصيل)؛ لأن هذا الصَّلحَ إبراءُ الكفيلِ عن المطالبة، فلا (١) يوجبُ براءةَ الأصيل.

(وإن قالَ الطالبُ للكفيلِ: بَرِئتَ إليَّ من المالِ، رجعَ إلى أصيله): لأنَّ البراءةَ التي ابتداؤها من الكفيلِ وانتهاؤها إلى الطَّالبِ لا تكونُ إلا بالإيفاءِ كأنَّه قال: بَرِئتَ بالأداءِ إليَّ، فيرجعُ بالمالِ على الأصيلِ إن كانت الكفالةُ بأمرِه.

(وكذا في بَرِئْتَ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - خلافاً لمحمدٍ - رضي الله عنه -)، له: إن البراءةَ تكون بالأداءِ، أو الإبراء، فيثبتُ بالأدنى. ولأبي يوسف - رضي الله عنه -: إنَّه إن أقرَّ بالبراءةِ التي ابتداؤها من المطلوبِ، وهي بالأداءِ فيرجع.

(وفي أبرأتُكَ لا يرجعُ)، قيل في جميعِ ذلك إن كان الطالبُ حاضراً يرجعُ إليه في البيان.

(ولا يصحُّ (٢) تعليقُ البراءةِ عن الكفالةِ بشرطِ (٣) كسائرِ البراءات، كما إذا قال: إن قدمَ فلانٌ من السفرِ أبرأتك من الدَّينِ لا يصحُّ البراءةُ منه.


(١) في أ: ولا.
(٢) لأنَّ في الإبراءِ معنى التَّمليك، والتمليكُ لا يقبلُ التَّعليقَ بالشَّرط؛ لكونِهِ قماراً، وهذا على القولِ بثبوتِ الدَّينِ على الكفيلِ ظاهر، وكذا على القولِ الآخر؛ لأنَّ الكفالةَ عليه تمليكُ المطالبة، والمطالبةُ كالدَّين؛ لأنّها وسيلةٌ إليه، وقيل: يصحُّ؛ لأنَّ الصحيحَ أنَّ الثَّابتَ في الكفالةِ على الكفيلِ المطالبةُ دون الدين، فكانت إسقاطاً محضاً كالطَّلاقِ والعتاق؛ ولهذا لا يرتدُّ إبراءُ الكفيلِ بالردّ؛ لأنَّ الإسقاطَ يتمُّ بالمسقط. وقال صاحبُ «الفتح» (٦: ٣١١) عن القول الثاني: وهو أوجه، وقال صاحب «الملتقى» (ص ١٢٥): والمختارُ الصحّة.
(٣) في ب: بالشرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>