للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: وصحَّ في سائرِ المجتهداتِ ولا يُفْتَى به دفعاً لتجاسرِ العوامّ، وحُكْمُ المُحَكَّمِ في دمٍ خطأ بالدِّيَةِ على العاقلةِ لا يَنْفُذُ، وكذا إن حَكَمَ بالدِّيَةِ على القاتلِ لا يَنْفُذُ أيضاً، فينقضُهُ القاضي، ويقضي على العاقلةِ

(قالوا: وصحَّ في سائرِ المجتهداتِ ولا يُفْتَى به دفعاً لتجاسرِ العوامّ)، قال مشايخنا - رضي الله عنه -: إن تخصيصَ هذه الرِّوايةِ، وهي قولُهُ: ولا يجوزُ التَّحكيمِ في الحدودِ والقصاصِ يدلُّ على جوازِ التَّحكيمِ في جميعِ المجتهداتِ كالكناياتِ، وفَسْخِ اليمينِ، ونحوِهما، وتخصيصُ المجتهداتِ بالذِكْرِ ليس لنفي الحكمِ عمَّا عداه، فإن ما ليس للاجتهادِ فيه مساغٌ: كالثَّابتِ بالكتابِ، أو السنَّةِ المشهورةِ، أو الإجماع لا شكَّ في صحَّةِ التَّحكيمِ في ذلك، وفائدتُهُ إلزامُ الخصمِ، فإنَّ المتبايعينَ إن حَكَّما حَكَماً، فالمُحَكَّمُ يُجْبِرُ المشتري على تسليمِ الثَّمنِ، والبائعَ على تسليمِ المبيعِ، ومَن امتنعَ يحبسُه، فذَكَرَ المجتهداتِ ليدلَّ على غيرِها بالطَّريق الأُولَى.

وإذا صحَّ التَّحكيمُ في جميعِ القضايا (١) لا يُفْتَى بذلك؛ لأن العوامَّ يتجاسرونَ على ذلك، فيَقِلُّ الاحتياجُ إلى القاضي، فلا يَبْقَى لحكَّامِ الشَّرع رَوْنَق، ولا للمحكمةِ جمالٌ وزينة.

(وحُكْمُ المُحَكَّمِ في دمٍ خطأ بالدِّيَةِ على العاقلةِ لا يَنْفُذُ)؛ لأنَّ العاقلةَ لم يُحَكِّموه، «وكذا إن حَكَمَ بالدِّيَةِ على القاتلِ لا يَنْفُذُ أيضاً، فينقضُهُ القاضي، ويقضي على العاقلةِ) (٢))؛ لأنَّ حُكْمَ المُحَكِّمِ مخالفٌ لمذهبِ القاضي، ومخالفٌ للنَّصّ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «قوموا فَدُوه (٣)» (٤)، ومعنى عدمُ نفاذِهِ على العاقلةِ أن للمُحَكِّمَ لا يكونُ ولايةُ طلبِ الدِّيةِ


(١) هو الظاهرُ عند أصحابنا، وهو الصحيح، لكنَّ مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاجُ إلى حكم الحاكم، كما في الحدود والقصاص، كيلا يتجاسرَ العوامُّ فيه. ينظر: «شرح أدب القاضي» (٤: ٦٣ - ٦٤).
(٢) سقطت من ج و ق.
(٣) أي أدّوا ديته. ينظر: «البناية» (١٠: ٣٧٣).
(٤) وهو حديث حمل بن مالك - رضي الله عنه -، ولفظه: عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: «ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهى حبلى فقتلتها، قال: وإحداهما لحيانية، قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دِيَة المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دِيَة من لا أكل ولا شرب ولا استهلَّ فمثل ذلك يطل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسجع كسجع الأعراب، قال: وجعل عليهم الدية» في مسلم (٣: ١٣١٠)، واللفظ له، وفي روايات أخرى صرح باسم حمل بن مالك - رضي الله عنه -، وذكرت القصة بطولها، وفي «مسند أحمد» (١: ٣٦٤)، و «سنن ابن ماجه» (٢: ٨٨٢)، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>