للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتوكيلِ ربِّ المالِ كفيلَهُ بقبضِ ماله عن المكفولِ عنه، ومصدَّقٌ الوكيلَ بقبضِ دينِهِ إن كان غريماً أُمِرَ بدفعِ دينِهِ إلى الوكيل، ثمَّ إن كذَّبَهُ الغائبُ دفعَ الغريمُ إليه ثانياً، ورجعَ به على الوكيلِ فيما بقي، وفيما ضاعَ لا

حنيفةَ - رضي الله عنه - ومحمَّدٍ - رضي الله عنه -، وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - يجوز وإن كانَ عند غيرِ القاضي، وعند زفرَ - رضي الله عنه - وهكذا عندَ الشَّافعيِّ (١) - رضي الله عنه - لا يجوزُ أصلاً؛ لأنَّهُ مأمورٌ بالخصومة، لا بالإقرار، ولنا: أنّ الخصومةَ يرادُ بها الجوابُ، فيتضمَّنُ الإقرار (٢).

(كتوكيلِ ربِّ المالِ كفيلَهُ بقبضِ ماله عن المكفولِ عنه): أي كما لا يصحُّ توكيلُ ربِّ المالِ الكفيلَ بقبضِ المكفولِ به، عن المكفولِ عنه؛ لأنَّ الوكيلَ مَن يعملُ لغيرِهِ وهنا يعملُ لنفسِه (٣).

(ومصدَّقٌ الوكيلَ بقبضِ دينِهِ إن كان غريماً أُمِرَ بدفعِ دينِهِ إلى الوكيل): أي ادَّعى رجلٌ أنَّه وكيلُ الغائبِ بقبضِ دينِهِ من الغريم؛ فصدَّقَهُ الغريم، أُمِرَ بتسليمِ الدَّينِ إلى الوكيل، (ثمَّ إن كذَّبَهُ الغائبُ دفعَ الغريمُ إليه ثانياً، ورجعَ به على الوكيلِ فيما بقي، وفيما ضاعَ لا)؛ لأنَّ غرضَهُ من دفعِهِ براءةُ ذمَّتِه، فإذا لم يحصلْ غرضُهُ؛ ينقضُ الدَّفع، أمَّا إذا ضاعَ لا يضمنُه؛ لأنَّهُ اعترفَ أنَّهُ محقٌّ في القبض، والاستردادُ أسهلُ من التَّضمين، فلهُ ولايةُ ذلك، لا ولايةُ هذا.


(١) ينظر: «البهجة المرضية» وشرحها «الغرر البهية» (٣: ١٨٩)، وغيرهما.
(٢) أي إنَّ التوكلَ يتناولُ ما يملكُهُ الموكِّلُ وهو الجواب، إذ الخصومةُ يرادُ بها مطلقُ الجوابِ عرفاً مجازاً، والجوابُ يكون بما يسمَّى خصومة حقيقة، وهو الإنكار، وبما يسمَّى خصومة مجازاً، وهو الإقرارُ في مجلسِ القضاء، فإنّه يسمَّى خصومة؛ لأنّه خرجَ في مقابلةِ الخصومةِ كما في تسميةِ جزاءِ السيّئة سيئة، أو لأنَّ الخصومةَ سببٌ له، فيكونُ من إطلاقِ اسمِ السبب على المسبِّب، أو لأنَّ مجلسَ القضاء مجلس الخصومة فيما يجري فيه يسمّى خصومة، والخصومةُ تتناولُ الإقرار، والإنكارُ من عموم المجاز، لا من استعمالِ اللفظِ في حقيقته ومجازه، فيملكُ الوكيل الإقرارَ من حيث إنّه جوابٌ لا من حيث إنّه إقرارٌ، والجوابُ يستحقُّ عند القاضي. ينظر: «التبيين» (٤: ٢٨٠).
(٣) أي إذا كان لرجلٍ على رجلٍ دين، وكَفِلَ به رجل، فوكَّلَ الطالبُ الكفيلَ بقبضِ ذلك الدَّين من الذي عليه فلم يصحَّ هذا التوكيل؛ لأنَّ الوكيلَ هو الذي يعمل لغيره، ولو صحَّحنا هذه الوكالةَ صار عاملاً لنفسه، ساعياً في براءة ذمَّته، فانعدمَ ركنُ الوكالة، وهو العمل للغير، فبطل عقد الوكالة. ينظر: «زبدة النهاية» (٣: ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>