للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يردُّ الوكيلُ بعيبٍ قبلَ حلفِ المشتري، لو قال البائعُ: رضيَ هو به، ومن دفعَ إلى آخرَ عشرةَ ينفقَها على أهلِه، فأنفقَ عليهم عشرةً له، فهيَ بها

الدَّينِ من المديون، فادَّعى المديونُ أنَّ الدَّائنَ قد قبضَ دينَه، ولا بيِّنةَ له، يؤمرُ بالدَّفعِ إلى الوكيل، فإذا حضرَ الدَّائن، وأنكرَ القبضَ يستحلفُ، ولا يستحلفُ الوكيلُ بأنَّكَ لا تعلمُ أنَّ الموكِّل قد قبضَ الدِّين؛ لأنَّ الوكيلَ نائبٌ له.

أقول: إن ادَّعى المديونُ أنَّكَ تعلمُ أنَّ الموكِّلَ قد قبضَ الدَّين، وأنكرَ الوكيلُ العلمَ ينبغي أن يستحلفَ لأنَّهُ ادَّعى أمراً لو أقرَّ بهِ الوكيلُ يلزمُهُ، ولم يبقَ لهُ طلبُ الدَّين، فإذا أنكرَهُ يستحلف.

(ولا يردُّ الوكيلُ بعيبٍ قبلَ حلفِ المشتري، لو قال البائعُ: رضيَ هو به)، وكَّلَ المشتري رجلاً بردِّ المبيعِ بالعيبِ، وغابَ المشتري، فأرادَ الوكيلُ الرَّدّ، فقال البائع: رضيَ المشتري بالعيب، فالوكيلُ لا يردُّ بالعيبِ حتى يحلفَ المشتري أنَّه لم يرضَ بالعيب.

والفرقُ بين هذه المسألة ومسألةِ الدَّين: أنّ التَّداركَ ممكنٌ في مسألةِ الدَّينِ باستردادِ ما قبضَهُ الوكيلُ إذا ظهرَ الخطأُ عند نكولِ ربِّ الدَّين، وهاهنا غيرُ ممكن؛ لأنَّ القضاءَ بفسخِ البيعِ يصحُّ وإن ظهرَ الخطأ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لأن القضاءَ ينفذُ ظاهراً وباطناً عنده، فلا يستحلفُ المشتري بعد ذلك، وأمَّا عندهما: فقد قالوا: يجبُ أن يردَّ بالعيبِ كما في مسألةِ الدَّين؛ لأنَّ التَّداركَ ممكنٌ عندهما لبطلانِ القضاءِ، وقيل: الأصحُّ (١) عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - أن يؤخِّرَ الرَّدَّ في الفصلين إلى أن يستحلف.

(ومن دفعَ إلى آخرَ عشرةَ ينفقَها على أهلِه، فأنفقَ عليهم عشرةً له، فهيَ بها)، قيل: هذا استحسان، وفي القياسِ يصيرُ متبرِّعاً بإنفاق ما هو ملكُه، وجهُ الاستحسان: أنَّ الوكيلَ بالإنفاق، وكيلٌ بالشِّراء (٢)، والحكمُ فيه ما ذكرنا.


(١) فإنَّ من مذهبِهِ أنَّ القاضي لا يردُّ المبيعَ على البائع إذا كان المشتري حاضراً وأرادَ الردَّ ما لم يستحلفه: بالله ما رضيتَ بهذا العيب، وإن لم يدَّع البائع، فإذا كان المشتري غائباً لا يردُّ عليه القاضي أيضاً حتى يستحلف؛ صيانةً للقضاءِ عن البطلان، ونظراً للبائع والمديون، فصار عنه روايتان، روايةٌ مثل قول محمّد - رضي الله عنه -، وفي رواية: يؤخِّر فيهما. ينظر: «الكفاية» (٧: ١٢٦).
(٢) والوكيل بالشراء يملك العقد من مال نفسه ثم يرجع به على الآمر. ينظر: «درر الحكام» (٢: ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>