للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لو قال الشُّهودُ: أودعَهُ مَن لا نعرفه بخلافِ قولهم نعرفُهُ بوجهِهِ لا باسمِهِ ونسبِه، ولو قال: ابتعته من زيدٍ، وقال ذو اليد: أودعنيه هو، سقطت بلا حجَّةٍ إلا إذا بَرْهَنَ المدَّعي أن زيداً وكَّلَهُ بقبضه

(كما لو قال الشُّهودُ: أودعَهُ مَن لا نعرفه)، فإنَّه لا تندفعُ الخصومةُ؛ لاحتمال أن يكونَ المدَّعي هو الذي أودعَه عنده، (بخلافِ قولهم نعرفُهُ بوجهِهِ لا باسمِهِ ونسبِه)، تسقط الخصومةُ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، فإنَّ الشَّهودَ عالمونَ بأنَّ المودعَ ليس هو الذي (١) يدَّعي، وعند محمَّد - رضي الله عنه -: لا يسقطُ الخصومة حيث لم يذكروا شخصاً معيَّناً أودعه عنده.

(ولو قال: ابتعته من زيدٍ): أي قال المدَّعي: اشتريتُهُ من زيد، (وقال ذو اليد: أودعنيه هو، سقطت بلا حجَّةٍ إلا إذا بَرْهَنَ المدَّعي أن زيداً وكَّلَهُ بقبضه)، فإن المدَّعي إذا قال: إنَّه اشتراهُ من زيد، فقد أقرَّ أنَّه وَصَلَ إلى ذي اليد من جهتِه، فلا يكون يدُهُ خصومة، إلاَّ إذا أثبت الوكالةَ بقبضِه.

هذه المسائلُ تسمَّى مخمسةُ كتاب الدَّعوى؛ لأنَّها خمسُ صور، فهي: الإيداع، والإعارة، والإجارة، والرَّهن، والغصب، وأيضاً فيها خمسةُ أقوال:

فعند ابن شُبْرُمة (٢): لا تندفعُ الخصومة (٣).

وعند ابن أبي ليلى: يندفع بلا بيِّنة (٤).

وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه -: إن كان ذو اليد رجلاً صالحاً يندفع الخصومة لا إن كان معروفاً بالحيل؛ لإمكان أن يدفعَ ما في يده إلى مَن يغيبُ عن البلد، ويقولُ له: أودعْهُ عندي بحضرة الشهود كيلا يمكنَ لأحدٍ الدَّعوى عليَّ.


(١) زيادة من أ.
(٢) وهو عبد الله بن شُبْرُمة بن الطُّفيل بن حسّان الضبي الكوفي، التابعي، أبو شُبْرُمة، كان قاضياً لأبي جعفر المنصور على سواد العراق، قال حماد بن زيد: ما رأيت كوفياً أفقه من ابن شُبْرُمة. وقال الثوري: كان ابن شبرمة عفيفاً، حزماً عاقلاً، فقيهاً، يشبه النساك، ثقة في الحديث، شاعراً، حسن الخلق، جواداً. (٩٢ - ١٤٤ هـ). ينظر: «تهذيب الأسماء» (١: ٢٧٢). «طبقات الشيرازي» (ص ٨٥). «التقريب» (ص ٢٤٩).
(٣) أي لا يخرج عن الخصومة بإقامة البينة؛ لأنه خصم بيده، فصار مناقضاً في دفع الخصومة عن نفسه. ينظر: «الدرر» (٢: ٣٤٢).
(٤) أي يخرج منها بمجرد قوله بغير بينة إذ لا تهمة فيما يقرّ به على نفسه. ينظر: «درر الحكام» (٢: ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>