للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطلب الحديث حتى كان مبرزاً فيه، وكان عطاء بن رباح يقدمه في مجلسه، قال الذهبي (١): إن الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - طلب الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها، وقال: وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك.

وطلب الفقه وغيره من العلوم الشرعية حتى كان منه ما كان، وقد جاوز شيوخه أربعة ألآف شيخ (٢)، وأكثر الاختلاف إلى حماد بن أبي سليمان - رضي الله عنه - إلى أن توفِّي رحمه الله الله تعالى، فجلس في حلقته يدرس ويفيد الناس واصطبر على أصحابه؛ ليعلمهم، وأبدع في تفقيه الناس وتعليمهم حتى صار يعرف الفقه به، فهو صنعة أبي حنيفة - رضي الله عنه -؛ وهو أبرز من اشتغل فيه حتى قال الشافعي - رضي الله عنه - فيه: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة - رضي الله عنه -. كما أن سيبويه أبرز من اشتغل بالنحو والخليل باللغة والبخاري في الحديث والماتريدي والأشعري في الكلام والذهبي في التاريخ والطبري في التفسير وهكذا، فلا يذكر الفقه إلا ويذكر أبو حنيفة - رضي الله عنه -.

وكان رحمه الله عفيف النفس يأكل من كدِّ يده، فكان له متجر كبير يبيع فيه الخزّ، ينفق منه على نفسه وعلى أصحابه، وكان حسن الملبس والهيئة، له هيبة ووقار، وكان زاهداً عابداً حتى قيل أنه كان يصلي صلاة الفجر بوضوء العشاء، وحجَّ خمسين حجة، قال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة - رضي الله عنه - يسمى الوتد لكثرة صلاته، وقال أبو يوسف: كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعاً، قال الذهبي (٣): قد تواتر قيامه الليل وتهجده وتعبده رحمه الله تعالى.

وقد توفي رحمه الله تعالى سنة مئة وخمسين للهجرة فرحمه الله رحمة واسعة (٤).


(١) في «سير أعلام النبلاء» (٦: ٣٩٢، ٣٩٦).
(٢) ينظر: «مفتاح السعادة» (٢: ١٧٨)، و «سند الأنام» (ص ٩)، وغيرهما.
(٣) في «مناقب أبي حنيفة» (ص ١٢).
(٤) وقد أفردت في ترجمته كتب عديدة منها: «السهم المصيب»، «الانتصار والترجيح»، و «تأنيب الخطيب»، و «إحقاق الحق»، و «أقوم المسالك»، و «مكانة أبي حنيفة في الحديث»، و «أبو حنيفة النعمان بن ثابت»، و «شقائق النعمان في مناقب أبي حنيفة النعمان»، و «أخبار أبي حنيفة وأصحابه»، و «تبييض الصحيفة في مناقب أبي حنيفة»، و «الخيرات الحسان في مناقب النعمان»، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>