للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو أعتقَ الحمل، ثُمَّ وهبَها صحَّتْ، ولو دبَّرَه، ثُمَّ وهبَها لا، ومَن قال لغريمه: إذا جاءَ غدٌ فهو لك، أو أنت منه بريء، فهو باطل، وجازَ العُمرى للمعمر له حالَ حياتِه، ولورثتِه بعده، وهي جعلُ دارِه له مدَّةَ عُمُره، فإذا ماتَ تُردُّ عليه، وبطلَ الرُّقْبي وهي إن متَّ قبلَك فهو لك

أقولُ: إذا وهبَ بشرطِ أن يعوضَ شيئاً، فالشَّرطُ باطل، وشرطُ العوضِ إنِّما يصحُّ إذا كان معلوماً، فَعُلِمَ أنَّ قولَهُ: أو يعوضَهُ يرجعُ إلى الهبةِ والصَّدقة.

(ولو أعتقَ الحمل، ثُمَّ وهبَها صحَّتْ): أي الهبة؛ لأنَّ الحملَ لم يبقَ ملكاً، فإذا وهبَ الأمَّ صارَ كأنَّه وهبَها، واستثنى الحمل، فالهبةُ جائزة.

(ولو دبَّرَه، ثُمَّ وهبَها لا)؛ لأنَّ الحملَ بقيَ على ملكِه، فلم يكنْ كالاستثناء، ولا ينفذُ الهبةُ في الحمل، فبقي هبةَ شيءٍ مشغولٍ بملكِ الواهب، أو هبةَ المشاع.

(ومَن قال لغريمه: إذا جاءَ غدٌ فهو لك، أو أنت منه بريء، فهو باطل)؛ لِمَا مرَّ أنَّ التَّعليقَ الصَّريحَ في الإبراءِ لا يصحّ (١).

(وجازَ العُمرى للمعمر له حالَ حياتِه، ولورثتِه بعده، وهي جعلُ دارِه له مدَّةَ عُمُره، فإذا ماتَ تُردُّ عليه): أي العمرى: جعلُ الدَّارِ له مدَّةَ عُمُرِهِ مع شرطِ أن المعمرَ له إذا ماتَ تردُّ على الواهب، فهذا الشَّرط باطل كما جاء به الحديث.

(وبطلَ الرُّقْبي وهي إن متَّ قبلَك فهو لك)؛ الرُّقْبي اسم من الرُّقُوب، وهو الانتظار، فكأنَّه ينتظرُ أن يموتَ المالك، وهي باطلةٌ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - ومحمَّد - رضي الله عنه -؛ لأنَّه تعليقُ التَّمليك بخطرٍ، وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - يصحّ، لأنَّ قولَهُ: داري لك رُقْبى، أي إن داري لك، وأنا انتظرُ موتَك لتعود إليَّ فتصحُّ ويبطلُ الشَّرطُ كالعُمرى، فالاختلافُ (٢) مبنيٌّ على تفسيرِها.


(١) لأنّ الإبراءِ تمليكٌ من وجهٍ لارتدادِه بالردّ، واسقاطٌ من وجه؛ لعدم توقّفه على القبول، والتعليقُ بالشرطِ يختصّ بالإسقاطاتِ المحضة التي يحلفُ بها كالطلاق والعتاق، وهذا تمليك من وجهٍ فلم يجز تعليقه بالشرط فبطل. ينظر: «الرمز» (٢: ١٩٠).
(٢) أي إنَّ الاختلافَ راجعٌ إلى تفسير الرُّقبى مع اتّفاقهم على أنّها من المراقبة، فحمل أبو يوسفَ - رضي الله عنه - هذا اللَّفظ على أنّه تمليكٌ للحال مع انتظارِ الواهب في الرجوع، فالتمليكُ جائز، وانتظارُ الرجوعِ باطل، كما في العمرى، وقالا: المراقبةُ في نفسِ التمليك؛ لأنَّ معنى الرُّقبى هذه الدار لآخرنا موتاً، كأنّه يقول: أراقب موتَك وتراقبُ موتي، فإن متُّ قبلكَ فهي لك، وإن متَّ قبلي فهي لي، فكان هذا تعليقُ التمليكِ ابتداءً بالخطر، وهو موت المالك قبله، وهذا باطل. ينظر: «النتائج» (٧: ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>