للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوازِهِ بها عمَّا استؤجرت إليه، ولو ذاهباً وجائياً، وردِّها إليه، ونزعِ سرجِ حمارٍ مكترى، وإيكافِهِ مطلقاً، وإسراجِهِ بما لا يسرجُ بمثلِهِ دونَ ما يسرجُ بمثلِه

أو كبحِ اللَّجامِ كلَّ قيمتها عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، وعندهما لا، إلاَّ أن يكونَ ضرباً أو كبحاً غيرَ متعارف.

(وجوازِهِ بها عمَّا استؤجرت إليه، ولو ذاهباً وجائياً، وردِّها إليه)، قولُه: وردِّها إليه بالجرِّ عطفٌ على جوازِها: أي يضمنُ بجوازِ الدَّابَّةِ عن موضعٍ استؤجرتْ إليه، ثمَّ ردّها إلى ذلك الموضع، وإن كان الاستئجارُ ذاهباً وجائياً؛ وإنَّما قال هذا نفياً لما قيلَ إنَّه إنَّما يضمنُ إذا استأجرها ذاهباً فقط؛ لأنَّ الإجارةَ قد انتهت بالوصولِ إلى ذلكَ الموضع، فيضمنُ بالجوازِ عنه، أمَّا إذا أستأجرها ذاهباً وجائياً فجاوز عن ذلك الموضع، ثمَّ ردَّها إليه لا يضمنُ كالمودعِ إذا خالفَ ثمَّ عاد إلى الوفاق (١)، لكنَّ الصَّحيحَ الضَّمان.

أقول: إن هلكتِ الدَّابَّةُ في ذلك الموضعِ بسببٍ يتيقَّنُ بأنَّه لا مدخل لجوازها عن ذلكَ الموضعِ في تحقُّقَ ذلكَ السَّببِ يفتى بعدمِ الضَّمان، وإن هلكتْ بسبب لا يتيقَّنُ بذلك، بل يمكنُ أن يكونَ له مدخلٌ يفتى بالضَّمان.

(ونزعِ سرجِ حمارٍ مكترى، وإيكافِهِ (٢) مطلقاً، وإسراجِهِ بما لا يسرجُ بمثلِهِ دونَ ما يسرجُ بمثلِه): أي إن اكترى حماراً مسرجاً فَنَزَعَ السَّرج، وأوكفَهُ وحملَ عليهِ فهلك ضمنَ سواءٌ كان الإيكافُ ممَّا يوكفُ هذا الحمارُ بمثلِهِ أو لا، وإن نزعَ السَّرجَ وأسرجَهُ بسرجٍ آخر، فإن كان هذا السَّرجُ ممَّا لا يسرجُ هذا الحمارُ بمثلِهِ يضمن، وإن كان يسرجُ بمثلِهِ لا يضمنُ إلاَّ إذا كان في الوزنِ زائداً على الأوَّل فيضمنُ بحسابِه، وهذا عندَ أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، وعندهما: إن أوكفَهُ بإيكافٍ يؤكفُ بمثلِهِ لا يضمنُ إلاَّ إذا كان زائداً في الوزنِ على السَّرجِ الذي نزعَهُ فيضمنُ بقدرِ الزَّيادة (٣).


(١) والفرقُ أنَّ المودعَ مأمورٌ بالحفظِ مقصوداً، فبقيَ الأمرُ بالحفظِ بعد العودِ إلى الوفاق، فحصل الردُّ إلى يد نائبِ المالك، وفي الإجارة والعارية يصيرُ الحفظُ مأموراً به، تبعاً للاستعمال لا مقصوداً، فإذا انقطعَ الاستعمالُ لم يبقَ هو نائباً، فلا يبرأ بالعود. ينظر: «الهداية» (٣: ٢٣٧).
(٢) الإيكاف والأكاف من الراكب شبه الرِّحال والأقتاب. ينظر: «اللسان» (١: ١٠٠).
(٣) ولأبي حنيفة - رضي الله عنه - أنَّ الجنسَ مختلفٌ معنىً وصورة، أمّا معنىً فلأنَّ الإكافَ إنّما وضع للحمل، والسرجُ إنمّا وضع للركوب، وأمّا صورةً؛ فلأنّ الإكاف ينبسطُ على ظهر الدابّة ما لا ينبسط عليه الآخر، فصار كما إذا حملَ الحديد، وقد شرط له الحنطة، فيضمنُ بوجودِ المخالفة صورةً ومعنى، فكذا هذا. ينظر: «الزبدة» (٣: ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>