لكن الذين يرون عكس ذلك يدعون إلى الاستفادة من مناهج المؤرِّخين وتطبيق قواعدهم" (١).
أما منهج المؤرِّخين في نقد النصوص فقد لخصه ابن خلدون رحمه الله في مقدمته، ومن ذلك قوله:
"إعلم أن فنّ التاريخ فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد إذ يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم حتّى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المزلات والمغالط. لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحديث عن جادة الصدق وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها محرد النقل غثًا أو سمينًا لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات و تحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط