أجمعن الانطلاق، قلت لصاحبي: والله إني لأكره الرجوع خائبة، ولآخذن هذا اليتيم الهاشمي. فقال: افعلي، فلعل الله يجعل لنا فيه البركة. فأخذته، ورجعت إلى أهلي. فلما وضعته في حجري، أقبل ثدياي يشخبان لبنا. فشرب حتى روي. وشرب أخوه حتى روي. ثم ناما، ونمنا. وقام زوجي إلى شارفنا، فيجدها حافلا. فحلبها، وشرب وشربت. فقال: تعلمي يا حليمة أن قد أخذت أعظم نسمة بركة. قالت: ثم ركبت الأتان حين رحلنا، فإذا هي تسبق الركاب. فقال لي صواحبي: إن لأتانك شأنا مذ اليوم. وقد منا، فرأينا البركة محللة لنا: كانت مواشي الناس ترجع هذلى خماصا، وتروح مواشينا سمانا بطانا.
١٦٣ - ثم إن رسول الله ﷺ فطم لسنتين. وردته حليمة إلى أمه وجده، وهو ابن خمس سنين. فكان مع أمه إلى أن بلغ ست سنين. وذلك الثبت. ويقال إنه كان معها إلى أن أتت له ثماني سنين. وكانت ثويبة، مولاة أبي لهب بن عبد المطلب، أرضعت النبي ﷺ أياما (١)، قبل أن تأخذه حليمة، من لبن ابن لها يقال له مسروح. وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
١٦٤ - قالوا: ولما أتى لرسول الله ﷺ ست سنين، زارت أمه قبر زوجها بالمدينة، كما كانت تزوره. ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول الله ﷺ. فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها ودفنت. ويقال إن عبد المطلب زار أخواله من بني النجار، وحمل معه آمنة ورسول الله ﷺ: فلما رجع منصرفا إلى مكة، ماتت آمنة بالأبواء.
١٦٥ - وروي أن قريشا لما كانوا بالأبواء، وهم يريدون أحدا، هموا باستخراج آمنة من قبرها. فقال قائلهم: إن النساء عورة، فإن يصب محمد من نسائكم