إن الفترة التي بين خط النسخة الأخيرة التي وصلتنا من الكتاب وبين تأليفه حوالى تسعة قرون. فهل هذه النسخة الأخيرة مطابقة لما ألفه البلاذري أو هي شيء آخر غيره؟
لقد دُوّن في أول الكتاب أنه للبلاذرى كما أثبت مثل ذلك في آخره. وعلى الرغم من هذا فقد يحدث الوهم بأنه موضوع عليه لطول الفترة بين التأليف والنسخ الأخير.
إلا أننا بالرجوع إلى رجال السند الذين امتلأت بهم صفحات الكتاب نجدهم رجالا غير مفتعلين، فكل منهم ثبت اتصاله بمن بعده وأخذه عمن كان قبله، والذين حدث عنهم البلاذرى مباشرة ورد النص على اتصاله بأغلبهم، وأجاز اتفاق الزمن أنه أخذ عن بقيتهم، وبمقارنة رجال السند في أنساب الأشراف برجال السند في فتوح البلدان نجد الأكثرية من سلسلة الرجال متفقة في الكتابين. ومع هذا فإن ما جاء في الكتب التي ألفت بعد البلاذرى آخذة عنه يتفق مع ما ورد في نسختنا تمام الاتفاق، وبخاصة إذا أوردت سلسلة الإسناد. وهناك أخبار كثيرة وروايات متفقة في نصها مع ما في كتاب البلاذرى وردت في كتب الحديث والتراجم وتاريخ الطبرى ويختلف رجالها المباشرون لكل مؤلف، وهذا ما يبعث على الثقة بأن الكتاب خلا من افتعال الأخبار وتلفيق المحدثين والرواة، ويكاد يكون من العبث بعد هذا ادعاء أن إنسانًا ألف هذا الكتاب القيم وزعم أنه هو كتاب البلاذري الذي طال بيننا وبينه الأمد.
ونحن لا ننتظر من معاصري البلاذرى أن ينقلوا عن كتبه، أو ينقلوا شيئًا من أخباره الأدبية، فابن قتيبة قد أهمل كثيرًا من شعراء عصره وأدبائه، والبلاذرى نفسه أهمل أخبار من عاصروه.
أما معاصرو البلاذرى من أصحاب كتب الحديث فإنهم كانوا -وبخاصة البخاري ومسلم- يتحرون في شيوخهم شروطًا قد لا تتوافر جميعها في البلاذري، ولا يقال إن المعاصرة دعتهم إلى تركه، فمهمتهم مرتبطة باتصال الرجال، ورواية