فقد وصفتموه صفة المعاين الخبر. فحدثوه الحديث، وقال مضر:
رأيته يرعى جانبا ويترك جانبا، فعلمت أنه أعور مال نحو عينه الصحيحة.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه نابته والأخرى فاسدة الأثر، فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه في إحدى جانبيه. وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالا لمصع. وقال أنمار: إنما عرفت أنه شرود لأنه رعى في المكان الملتف نبته ثم جاز إلى مكان أرق نبتا منه وأخبث. فحاكمهم إلى الأفعى.
فقصوا عليه القصة، وحلفوا. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه.
ثم سألهم عن قصتهم. فقصوها عليه. فقال: أتحتاجون إلي وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم قال: ما أشبه القبة الحمراء من مال أبيكم، فهو لمضر. فصار لمضر ذهب كان لنزار، وحمر إبله. وقال: ما أشبه الخباء الأسود والفرس الأدهم لربيعة. فصار له جميع إبله السود، ومعزى (١) غنمه، وعبدان أسودان كانا له. وقال: ما أشبه الجارية الشمطاء فهو لإياد. فصار له بلق خيله وغنمه. وقضى لأنمار بفضته وحميره، وبيض ضأنه. فرضوا بحكمه. وقال بعض الرواة: أعطى إيادا عصا أبيه وحلته. فسموا إياد العصا.
وأنشد بعضهم:
نحن ورثنا من إياد كله … نحن ورثناه العصا والحلة
مضر:
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال:
كان مضر من أحسن الناس صوتا. فسقط عن بعيره، فانكسرت يده. فجعل يقول: يا يداه! يا يداه! فأنست الإبل لصوته وهي في المرعى. فلما صلح وركب، حدا. فهو أول من حدا، وأول من قال:«بصبصن أو حدين».