الحديث لا تأتى إلا عن طريق المشافهة، وكانوا في كثير من رواياتهم يتلقى الأكبر عمن يصغره سنا للثقة به أو لانفراده بالخبر.
ولقد كان البلاذرى إخباريا نسابة هجاء، يسعى وراء الاتصال بأصحاب الجاه والسلطان، يضاف إلى هذا أنه وسوس في آخر عمره، وبعض هذا مما يدعو رجال الحديث إلى تركه أو إهمال ما أخذ منه، ونحن لا نجد في رجال البخارى ومسلم رواية عن ابن سعد صاحب الطبقات، ولا عن الواقدى، أو هشام بن الكلبى، أو أبيه محمد بن السائب، ولا عن مصعب بن عبد الله الزبيرى، ولا ابن أخيه الزبير بن بكار (راجع كتاب الجمع بين رجال الصحيحين).
لكن العجب من محمد بن جرير الطبرى، كيف لم ينقل عن البلاذرى ولم يذكره في تاريخه؟ (راجع فهارس الطبرى) لعل الفترة الطويلة من المعاصرة هي التي جعلته يتركه. فالطبرى ولد سنة ٢١٤ وتوفى سنة ٣١٠ هـ أما كونه مفسرًا محدثًا وفقيها مجتهدًا، له شروط في رجاله، فهذا شيء لا يدعوه إلى أن يهمل البلاذري في سوق الحوادث التاريخية، لأن الطبرى نقل كثيرًا مما رواه أبو مخنف لوط بن يحيى (المتوفى سنة ١٥٧) وقد قيل فيه: إنه إخباري تالف لا يوثق به، وإنه ضعيف، وإنه ليس بشيء.
وأبو الفرج الأصفهاني (١٨٤ - ٣٥٦) أمره أعجب من الطبري، فإنه في كتابه مقاتل الطالبيين لم يذكر شيئًا عن البلاذرى، في حين أن ما أورده البلاذرى عن آل أبي طالب يتجاوز ثلاثمائة صفحة.
على أنه قد ذكر البلاذرى في بعض أسانيده في كتاب الأغاني (انظر الجزء الرابع طبعة دار الكتب) وما رواه عنه هو عن طريق يحيى بن النديم، ونجده في كتاب أنساب الأشراف، ففي الأغانى ج ٤ ص ٣٩٧ أن ابن هرمة كان مغرمًا بالنبيذ فمر على جيرانه وهو شديد السكر. . . إلخ، وهذا موجود في المجلد العاشر ص ٦٩٦ من الأنساب. وفي الأغانى ج ٤ ص ٣٢٦ - ٣٢٧ قصة عن طريح بن إسماعيل الثقفى نجدها في المجلد ١٢ ص ١٢٥٤ من الأنساب.