واجتمعت قريش على عداوته وخلافه، وحدب عليه أبو طالب وقام دونه، ومضى رسول الله ﷺ مظهرا لأمره لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من عيب آلهتهم، اشتدوا على المسلمين.
٢٣٥ - وحدثني محمد بن سعد والوليد بن صالح، عن محمد بن عمر الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن عمر ابن عبد الله، عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم قال:
لما نزلت على النبي ﷺ «وأنذر عشيرتك الأقربين (١)، اشتد ذلك عليه وضاق به ذرعا. فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته، حتى ظن عماته أنه شاك، فدخلن عليه عائدات، فقال: ما اشتكيت شيئا، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فأردت جمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى الله. قلن: فادعوهم، ولا تجعل عبد العزى فيهم- يعنين أبا لهب- فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه. وخرجن من عنده، وهن يقلن: إنما نحن نساء.
فلما أصبح رسول الله ﷺ، بعث إلى بني عبد المطلب. فحضروا ومعهم عدة من بني عبد مناف، وجميعهم خمسة وأربعون رجلا. وسارع إليه أبو لهب، وهو يظن أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبون. فلما اجتمعوا، قال أبو لهب:«هؤلاء عمومتك وبنو عمك، فتكلم لما تريد، ودع الصلاة، واعلم أنه ليست لقومك بالعرب قاطبة طاقة. وأن أحق من أخذك فحبسك أسرتك وبنو أبيك إن أقمت على أمرك، فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدها العرب فما رأيت، يابن أخي، أحدا قط جاء بني أبيه بشر مما جئتهم به». وأسكت رسول الله ﷺ، فلم يتكلم في ذلك المجلس، ومكث أياما. وكبر عليه كلام أبي لهب. فنزل جبريل، فأمره بإمضاء ما أمره الله به، وشجعه عليه. فجمعهم رسول الله ﷺ ثانية، فقال:«الحمد لله أحمده، وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له». ثم قال: «: إن الرائد لا يكذب أهله.
والله لو كذبت الناس جميعا، ما كذبتكم. ولو غررت الناس، ما غررتكم