قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: يا معشر قريش: والله ما كانت مجالستكم سبة، ولا كان السفه من شأنكم. فقالوا له: إن هذا غلام سفيه، مخالف لدين قومه. فقام بعض بني المغيرة، فلطم عين عثمان بن مظعون، فضحك الوليد بن المغيرة للشماتة ونظر إلى عين عثمان قد أخضرت، فقال:
ما كان أغناك عن هذا يا بني؟ فقال عثمان: ما أنا بغنى عنه، لأنه ذخر لي عند الله، وإن عيني الصحيحة محتاجة إلى مثل ما نال صاحبتها. فقال: لقد كنت في ذمة منيعة، فعد إلى جواري فإنك لا ترام فيه. فقال: والله لا أعود في جوار غير جوار الله أبدا. ووثب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الذي لطم عين عثمان، فكسر أنفه. فكان ذلك أول دم أريق في الإسلام.
والثبت أن الذي لطم عين عثمان (١): عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. ومن قال إن عبد الله بن عثمان، جد عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، فقد غلط غلطا بيننا. ودخل عامر بن ربيعة العنزي، حليف الخطاب بن نفيل، بجوار العاص بن وائل السهمي. ودخل أبو سبرة ابن أبي رهم بجوار أبي، وهو الأخنس بن شريق، ويقال بجوار سهيل بن عمرو.
ودخل حاطب بن عمرو بجوار حويطب بن عبد العزى. ودخل سهيل بن بيضاء بجوار رجل من عشيرته، من بني فهر، ويقال: دخل مستخفيا بغير جوار أحد حتى خرج في المرة الثانية. ومن قال إن أبا عبيدة بن الجراح هاجر في المرة الأولى، قال: دخل بغير جوار أحد.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال:
دخل عبد الله بن مسعود بغير جوار، فمكث قليلا ثم رجع.
٥٤٨ - وقال الواقدي: خرجوا للهجرة الأولى في رجب سنة خمس من النبوة.
فأقاموا شعبان وشهر رمضان، وقدموا في شوال سنة خمس من النبوة. ثم هاجروا في المرة الثانية، وقد لقوا من المشركين جهدا وأذى. وكانوا أكثر ممن هاجر أولا. وهم على ما قد سمينا.