العباس: إن معكم من حجاج قومكم من يخالفكم في الرأي، فأخفوا إشخاصكم، واستروا أمركم حتى يتصدع الحاج. فواعدهم رسول الله ﷺ أن يوافيهم في الليلة التي صبحتها النفر الآخر بأسفل العقبة. ويقال: في الليلة التي صبحتها النفر الأول، على أن لا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غائبا، ثم انصرفوا. وسبقهم رسول الله ﷺ والعباس إلى الموضع، وأقبلوا يتساءلون. وكانوا ثلاث مائة، حتى وافى من وافى منهم. فتكلم العباس فقال:«يا معشر الأوس، والخزرج، قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه، ونحن عشيرته ولسنا بمسلميه. فإن كنتم قوما تنهضون بنصرته، وتقوون عليها، وإلا فلا تعروه وأصدقوه، فإن خير القول أصدقه».
فقال قائلهم:«نحن بنو الحارث غذينا بها، ومرنا عليها، وعندنا نصرته والوفاء له، وبذل دمائنا وأموالنا دونه، ولنا عدة وعدد وقوة». وجعلوا يتكلمون، والعباس آخذ بيد رسول الله ﷺ، يقول: أخفوا أمركم، فإن علينا عيونا. فلما استوثق لرسول الله ﷺ وأخذ عهودهم واعتقدها عليهم، ضربوا على يد رسول الله ﷺ. وكان أول من بدأ فضرب البراء ابن معرور. ويقال: أبو الهيثم. ويقال: أسعد بن زرارة. ويقال: أسد ابن حضير. ثم قال رسول الله ﷺ: إن موسى ﵇ أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا، وإني آخذ منكم اثني عشر، فلا يجدن أحد منكم في نفسه شيئا، فإنما يختار لي جبريل. فلما سماهم، قال:
أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين. وجعل أبا أمامة أسعد بن زرارة نقيب النقباء. ثم قام النقباء واحدا بعد واحد، فحمدوا الله وأثنوا عليه بفضل نعمته وما أكرمهم به من اتباع نبيه، وإجابة دعوته. وتحاضوا على نصرته والوفاء بعهده وبيعته. ثم انصرفوا.
٥٨٥ - قالوا: وطلبهم المشركون فظفروا بسعد بن عبادة، فقالوا: أنت على دين محمد؟ فقال: نعم. فأوثقوه رباطا، حتى خلصه مطعم بن عدي، وكان له صديقا. وفاتهم المنذر بن عمرو، وقد كان أشرف أن يؤخذ. فقال ضرار بن الخطاب الفهري (١):
(١) ابن هشام، ص ٣٠٢، حاشية ديوان حسان، ص ٧٨، مصعب الزبيري، ص ١٢٦، الاستيعاب ٢٣٥٧ سعد بن النعمان، مع اختلافات.