للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله عليه وسلم، ومخرجه، ومجلسه، وشكله، وسيرته، وكلامه، وسكوته.

قال الحسين : سألت أبى عن مدخل رسول الله .

فقال: كان مدخله لنفسه مأذونا له في ذلك. فإذا آوى إلى أهله، جزأ مدخله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وجزءا لنفسه، وجزءا لأهله. ثم جزأ جزأه لنفسه بينه وبين الناس، فرد على العامة من الخاصة. وكان من سيرته إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين. فمنهم ذو الحاجة، وذو الحاجتين، وذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسئلته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغى لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغونى حاجة من لا يستطيع إبلاغى حاجته. فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغه إياها، ثبت الله قدمه يوم القيامة. لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل غيره من أحد. قال: وسألته عن مخرج رسول الله ، وكيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان يخزن لسانه عما لا يعنيه. وكان يؤلف، ولا ينفر، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه. يتفقد أصحابه، ويسأل عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، مؤتلف الأمر، غير مختلفه. كل حال عنده عتاد. لا يقصر عن الحق، ولا يجوز الدين.

أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة. وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مؤاساة ومؤازرة. قال: وسألته عن مجلس رسول الله ، فقال:

كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله. ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها. وإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهى به المجلس، ويأمر بذلك.

ويعطى كلا من جلسائه بنصيبه، فلا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.

من جالسه أو قارنه في حاجة، سايره حتى يكون هو المنصرف. ومن سأله حاجة، لم يرده إلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم، وحياء، وصدق. وأمانة. لا ترفع فيه الأصوات، ولا توتن فيه الحرم، ولا تنثى (١)


(١) أى لا تشاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>