للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشياخِ العربِ، وأهل البَداوةِ (١)، وقد سأل الكسائيُّ الخليلَ بن أحمد: من أين أخذتَ علمك هذا؟ قال: مِن بوادي الحجازِ، ونَجدٍ، وتِهامة (٢). وجعل الجاحظُ من تَمَامِ آلةِ الشِّعرِ أن يكون الشاعرُ أعرابيًّا (٣). وذكر الفارابيُّ (٤) علةَ ذلك بقولهِ: «ولَمَّا كانَ سُكانُ البَريَّةِ في بيوت الشَّعَرِ، أو الصوفِ والخيامِ والأَحسيةِ (٥) من كل أمةٍ، أجفى وأَبعدُ من أن يَتركوا ما قد تَمكَّنَ بالعادة فيهم، وأَحرى أن يُحصِّنوا نفوسهم عن تَخيُّلِ حروفِ سائر الأمم، وألفاظهم، وألسنتهم عن النطق بها، وأحرى أَلاَّ يُخالطهم غيرُهم من الأمم، للتوحشِ والجفاء الذي فيهم، وكان سُكَّانُ المدن والقُرى وبيوتِ المَدَرِ منهم أَطبع، وكانت نفوسهم أشدَّ انقيادًا لنُطقهم بِما لم يتعودوه، كان الأفضلُ أن تؤخذ لغاتُ الأمَّةِ عن سكان البَراري منهم، متى كانت الأممُ فيها هاتان الطائفتان» (٦)، بِخلافِ الحاضرةِ التي كانتْ مِظنَّة الخلطِ واللَّحنِ (٧)، وقد أشار إلى ذلك أبو عمرو بن العلاء حينما قال: «لم أَرَ بدويًا أقامَ بالحَضَرِ إِلَّا فَسَدَ لِسانُهُ غَيْر رُؤبةَ والفرزدق» (٨).

فعلى قدرِ توغُّلِ القبيلة في البداوة في وسط الجزيرة العربية -كبوادي نجد والحجاز وتهامة - تكون فصاحتها، ولذلك عَقَدَ ابنُ جني فصلًا بعنوان «بابٌ في ترك الأخذِ عن أهلِ المَدَرِ كما أُخِذَ عن أَهلِ الوَبَرِ» (٩). كما افتخر بعض البصريين بِمَروياتِهم على الكوفيين، ويقولون:


(١) انظر: رسالة الغفران ١٧٧.
(٢) انظر: إنباه الرواة ٢/ ٢٥٨.
(٣) انظر: البيان والتبيين ٣/ ١٤٢.
(٤) هو أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان الفيلسوف، ولد سنة ٢٦٠ هـ وتوفي بدمشق سنة ٣٣٩ هـ. يعد من كبار الفلاسفة، ولقب بالمعلِّم الثاني لشرحه كتب أرسطو المعلم الأول عند الفلاسفة. انظر: وفيات الأعيان ٥/ ١٥٣
(٥) هي الرمال، وهو يشير إلى الصحراء .. انظر: لسان العرب ٣/ ١٨٢ (حسا).
(٦) الحروف والألفاظ ١٤٦.
(٧) انظر: البيان والتبيين ١/ ١٦٣.
(٨) شرح شواهد المغني ١/ ١٥، خزانة الأدب ١/ ٢٢٠.
(٩) الخصائص ٢/ ٥.

<<  <   >  >>