للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لخصوصه آدم بذلك وجه مفهوم؛ إذ كان جميعُ خلقهِ مَخلوقين بقُدرته، ومشيئتهُ في خلقهِ تَعمُّهُ، وهو لِجَميعهم مالكٌ ... وإذا كان تعالى ذِكرهُ قد خَصَّ آدمَ بذكرهِ خَلقَهُ إِيَّاهُ بيدهِ دون غيرهِ من عباده، كان معلومًا أَنَّه إِنَّما خَصَّهُ بذلك لمعنى فارق به غيره من سائر الخلق ... وإذا كان ذلك كذلك، بطل قول من قال: معنى اليد من الله القوة والنعمة، أو الملك في هذا الموضع». (١) وهذا الشاهد الشعري الذي استشهد به ابن عطية لتأويل اليدين في هذه الآية بأنها بمعنى النعمة قد استشهد به الطبري على أن العرب تطلق اليد على العطاء، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم يكون في الغالب بأيديهم، فجرى استعمال الناس في وصفهم بعضهم بعضًا إذا وصفوه بجود وكرم، أو ببخل وشح وضيق، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه. ثم ذكر بيت الأعشى. (٢)

٣ - صفة الكرسي.

أثبت الله لنفسه كرسيًا في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] (٣)، وهو خلق من خلق الله، وصفَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما الكرسيُّ بِجانبِ العَرشِ إِلَّا كحلقةٍ في فلاةٍ». وهذا التفسيرُ هو قولُ جُمهورِ العلماء. قال الطبري: «الذي هو أَولى بتأويلِ الآيةِ ما جاء به الأَثَرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما حدثني به عبدُ الله بنُ أبي زياد القَطَوانيُّ، قال: ثنا عبيدالله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: أتت امرأةٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ادع اللهَ أَن يُدخلني الجنةَ. فَعَظَّمَ الربَّ عَزَّ وجلَّ، ثُمَّ قال: «إِنَّ كرسيَّه وَسِعَ السمواتِ والأرضَ، وإِنَّهُ ليَقعدُ عليهِ فما يَفضلُ منهُ مقدارُ أربعِ أصابع».


(١) تفسير الطبري (هجر) ٨/ ٥٥٥ - ٥٥٦.
(٢) انظر: تفسير الطبري (هجر) ٨/ ٥٥٢ - ٥٥٣.
(٣) البقرة ٢٥٥.

<<  <   >  >>