للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقدَّم الطبري شرح الشاهد في البيت، وهو كلمة «كافر»، وأَنَّ المقصودَ بِها الليلُ، أي أَنَّ الشمسَ غَرَبَتْ.

ومن الأمثلة قول الفراء: «ويقالُ: ظَلَمَ الوادي إذا بَلغَ الماءُ منه موضعًا لم يكنْ نَالَهُ فيما خلا، أَنشدني بعضهم:

يَكادُ يَطْلُعُ ظُلْمًا ثُمَّ يَمْنَعُهُ ... عَن الشَّواهِقِ فالوادي بهِ شَرِقُ (١)» (٢).

فالشاعر يصف واديًا في البيت، وأَنَّ الماء فيه يصلُ إلى موضعٍ لم يكن يصلُ إليه عادةً، وأَنَّ هذا يُسمَّى عند العربِ ظُلمًا، فتقول: ظلم الوادي لهذا المعنى، وقد قدَّمَ الفراءُ شرح هذا المعنى قبلَ ذكر البيت، فلم يَحتجْ إلى شرحهُ بَعده.

ثانيًا: شرح الشواهد الفرعية.

أحيانًا ترد في الشاهد الشعري لفظة غريبة، فيلجأ المفسر إلى شرحها مستعينًا في ذلك بشاهد شعري آخر يفسر تلك اللفظة الغريبة في الشاهد الأول، وليس في الآية.

ومن الأمثلة على ذلك أن القرطبي وهو يفسر معنى الحج في اللغة في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] (٣)، أشار إلى أَنَّ أصلَ معنى الحَجِّ: القَصدُ، واستشهد على ذلك بقول المخبل السَّعديِّ (٤):

فأَشْهَدُ مِنْ عوفٍ حُلُولًا كثيرةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرا (٥)

ثمَّ خرج إلى شرح المقصود بالسِّبِّ في هذا الشاهد مع أنه ليس له


(١) البيت لعدي بن الرقاع العاملي. انظر: ديوانه ١٤٨، الأزمنة والأمكنة ٣٢٧.
(٢) معاني القرآن ١/ ٣٩٧.
(٣) البقرة ١٥٨.
(٤) هو الربيع بن ربيعة التميمي، شاعر مخضرم مجيد، مات في خلافة عمر. انظر: الأغاني ١٢/ ٣٨.
(٥) انظر: إصلاح المنطق ٤١١، الاشتقاق ١٢٣، ٢٥٤.

<<  <   >  >>