للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: منهج المفسرين في شرح الشاهد الشعري وبيان دلالته على المعنى.]

كان علماءُ السلفِ شيوخَ لغةٍ وشعرٍ وروايةٍ، وكانوا يقدمون دراسة اللغة والشعر على غيرها، ويستقصون في تتبع شعر العرب؛ لأن الشعر كان أصلًا للعلمِ بالكتاب والسنة، ففهمُهُما مترتبٌ على فهمِ لُغتِهما، وفُهمُ اللغةِ أصلهُ فهمُ شعرِ العَربِ ونثرِها، حتى إذا بلغ أحدهم من العلم مبلغًا انصرف للتصنيف في التفسير وغيره بعد أن يكون قد استحكمت آلته، وقويت ملكته العلمية، ولذلك تجد للواحد منهم ترجمةً في طبقات اللغويين والمفسرين والفقهاء والأدباء وغيرهم لكثرة مصنفاته، وتنوع معارفه ومن هؤلاء الإمام الطبري (١)، والزمخشري (٢)، وابن عطية وغيرهم. ودليل ذلك أن بعض المفسرين تصدَّى لشرح دواوين الشعراء، كالطبري والواحدي (٣)،

فقد ذُكر عن الطبري أنه كان «يحفظُ من الشعر للجاهلية والإسلام ما لا يجهله إلا جاهل به» (٤)، وذُكرَ عن ثعلب أنه قال: «قرأ عليَّ أبو جعفر الطبري شعر الشعراء قبل أن يكثر الناس


(١) قال القفطي في صدر ترجمته له: «العالم الكامل الفقيه المقرئ النحوي اللغوي الحافظ الإخباري جامع العلوم لم ير في فنونه مثله». انظر: إنباه الرواة ٣/ ٨٩، وترجم له الحموي في معجم الأدباء ترجمة مطولة لم يترجمها لغيره ٥/ ٣٤١، وهو يعد شيخ المؤرخين الثقات بكتابه تاريخ الأمم والملوك.
(٢) له من شروح الشعر شرح لامية العرب، وشرح شواهد سيبويه الشعرية.
(٣) شرح الواحدي ديوان المتنبي شرحًا مستوعبًا، يعد أمثل شروح الديوان، وله عدة طبعات أجودها طبعة دار الرائد العربي، بيروت في خمسة مجلدات.
(٤) معجم الأدباء ٥/ ٢٥٤.

<<  <   >  >>