للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأويلهُ إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيَّمَا إذا وافقَ ذلك تأويلَ أهلِ العلمِ من الصَّحابةِ والتابعين» (١).

فقد وضع الطبري بهذا قاعدة في الاعتماد على الشاهد الشعري، والاكتفاء به في الاستشهاد، وهو إذا لم يَرِدْ عن السلف من الصحابة والتابعين تفسير للآية أو اللفظة، فيصار حينئذٍ إلى الشاهد الشعري أو غيره من الشواهد المعتبرة عند المفسرين، وأما إذا ورد عن الصحابة أو التابعين تفسير للآية فلا حاجة عند ذلك لتفسير أهل اللغة، ولا لشواهد الشعر، وفي ذلك يقول ابن تيمية: «ومِمَّا ينبغي أَنْ يُعلمَ أَنَّ القرآن والحديث إذا عُرفَ تفسيرهُ مِنْ جهةِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة» (٢).

- الأمثلة على انفراد الشعر بالدلالة:

من أمثلة انفراد الشاهد الشعري في الدلالة، واكتفاء المفسرين به في الاستشهاد ما فعله الطبريُّ عند تفسيره لِمَعنى «لعَلَّ» في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة: ٢١] (٣) حيث أورد سؤالًا جدليًا: كيفَ قال جلَّ ثناؤهُ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؟ أَوَ لَمْ يكن عالمًا بِما يصير إليه أمرُهُم إذا هم عَبدُوه وأَطاعوه حتى قال لهمْ لَعَلَّكم إذا فعلتم ذلك أَن تَتْقوا، فأَخرجَ الخَبَرَ عن عاقبةِ عِبادَتِهِم إِيَّاهُ مَخرجَ الشكِّ؟

ثم أجاب بقوله: «ذلكَ على غَير المعنى الذي توهمتَ، وإِنَّما معنى ذلكَ، اعبدوا ربَّكمُ الذي خلقكم والذين مِنْ قبلِكم لِتتقوهُ بِطاعتهِ، وتوحيدهِ، وإفرادهِ بالربوبيةِ والعبادةِ، كما قال الشاعر (٤):

وقُلْتُمْ لَنَا: كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ، وَوثَّقْتُم لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ


(١) تفسير الطبري (هجر) ١٦/ ٨.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٧.
(٣) البقرة ٢١.
(٤) لم أعرف قائله.

<<  <   >  >>