للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما ورد الشعر في أثناء القصص والحوادث التاريخية ونحوها، مما لا يعد غرضًا قائمًا برأسه، أو يدخل تحت الشواهد التاريخية، وقد سبقت الإشارة إليها في أنواع الشواهد الشعرية، وليست من مقصود البحث.

الغرض الثاني: التمثل بالشعر.

التَّمَثُّلُ تَفَعُّلٌ من تَمَثَّلَ إذا أَنشدَ بيتًا من الشعر ثم آخر. (١) والتمثل بالشعر باب واسع، أوسعُ من المَجازاتِ والكِنايات، وهو بابُ الإشارات التي قد تكون قريبةً، وقد تكون بعيدةً، ويقوم هذا البابُ على انتزاع الشعر من دوائر السياق، ونفض بعض دلالاته، وإصباغِ دلالات جديدة عليه، والخروج بالمعاني إلى مساحاتٍ أوسع، وفضاءاتٍ أَشْمل.

وقد ذكر عبد القاهر الجرجاني وهو يدافع عن الشعر أنَّ الحسن البصري رحمه الله كان يتمثل في مواعظه بالأبيات من الشعر، وكان من أوجعها عنده:

اليومَ عندَكَ دَلُّها وحَديثُها وغدًا لِغَيْرِكَ كَفُّها والمِعْصَمُ (٢)

وهذا البيت قيل في مَذمَّةِ النساء، ولكنَّ الحسن البصريَّ كان ينقله إلى معانٍ أُخرى في الحث على الزهد في الدنيا، وتراهُ أَهملَ الدَّلَّ والدلالَ في البيت، وجعل ذلك كلَّهُ إشاراتٍ إلى ما يَملكُ على المرء قلبَهُ، من دُنيا، أو جاهٍ، أو مالٍ، أو ولدٍ أو نحو ذلك. وهذا هو المقصود بالتمثلِ بالشعرِ. وليس هو من ضرب الأمثال وإرسالها فذاك باب آخر غير هذا.

وذكر الزمخشري بيتين للمأمون كان يتمثل بهما في أخيه الأمين هُما:


(١) انظر: لسان العرب ١٣/ ٢٢ (مثل).
(٢) البيت غير منسوب، وقيل: إنه للحسن البصري. انظر: أمالي الشريف المرتضى ١/ ١٦٠، دلائل الإعجاز ١٣.

<<  <   >  >>