للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا صاحبَ البَغْي إِنَّ البَغيَ مَصْرَعةٌ ... فارْبَعْ فخيرُ فِعالِ المرءِ أَعدلُهُ

فلو بَغَى جَبَلٌ يومًا على جَبَلٍ ... لانْدَكَّ منه أَعاليهِ وأَسفلُهُ (١)

ولا يُشترطُ في التمثُّلِ بالشعرِ أن يكون بالشعر المحتج به في اللغة والنحو، وإنما يُتمثَّلُ بكل بيتٍ من الشعرِ حَمَل معنىً شريفًا، أو كان له مناسبةٌ تَعرِضُ في كتب التفسير، ولذلك يتمثل الزمخشريُّ والقرطبي وغيرهما بشعر المُحدثين والمعاصرين.

والتمثل بالشعر في كتب التفسير يكثر عند الزمخشري والقرطبي، ويقل عند ابن عطية، وينعدم عند الطبري. وليس هذا الغرض من أغراض الشاهد الشعري الأصلية التي يدرسها هذا البحث، فليس له ضابط متفق عليه عند العلماء، وإنما هو من الخواطر التي ترد على ذهن المفسر، وتعتمد على سعة محفوظه من الشعر، بخلاف الاستشهاد الذي قيده العلماء وضبطوه بضوابط وشروط لقبوله وصحته. ومن أمثلة التمثل بالشعر في كتب التفسير ما يلي:

١ - قال الزمخشري عند تفسير قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٤٤)} [يس: ٤٤] (٢): «إلى أَجَلٍ تَموتون فيه لا بُدَّ لهم منه بعدَ النجاةِ من مَوْتِ الغَرَقِ. ولقد أحسن من قال (٣):

ولم أَسْلَمْ لكي أَبْقَى ولكنْ ... سَلِمْتُ من الحِمامِ إلى الحِمامِ (٤)». (٥)

فقد تمثل الزمخشري ببيت المتنبي لمناسبته لمعنى الآية، فكما أن الآية تدل على أن من ينجو من عذاب الله بالغرق لن ينجو من الموت إذا


(١) انظر: الكشاف ٢/ ٣٤٠.
(٢) يس ٤٤.
(٣) هو المتنبي أحمد بن الحسين المتوفى سنة ٣٥٤ هـ.
(٤) البيت من قصيدته الميمية في وصف الحُمَّى، ورواية الديوان:
وإِنْ أَسْلَمْ فما أَبْقَى ولكنْ ... سَلِمْتُ من الحِمامِ إلى الحِمامِ
انظر: الديوان بشرح البرقوقي ٤/ ٣٥٣.
(٥) الكشاف ٤/ ١٨.

<<  <   >  >>