ممن عني بشواهد الشعر، والتأكيد على العناية بها في كتبه.
وإذا كان هذا في جانب الأخبار والرواية فإن للشاهد في كتب المفسرين شأن آخر، فإن المتناول لكلام الله بالتفسير والبيان يكون في غاية الاحتياط والحذر، وقد بالغ المفسرون في الاحتياط والحذر لفهم معاني القرآن الكريم، فاستشهدوا بالقرآن وقراءاته، والحديث النبوي، والأخبار وكلام العرب شعرًا ونثرًا، غير أنَّ اعتمادهم على هذه الأساليب كان متفاوتًا من مُفسرٍ إلى آخر، كما يختلف في طبيعته، إذ يمكن التمييز فيه بين اتجاهين: اتجاهِ الاحتجاجِ والتقعيد عند المفسرين القدماء والعناية بتقوية أوجه الاستدلال، واتِّجاه توضيحيّ عند المتأخرين من المفسرين، يرى أنه قد فَرغَ القدماءُ من الاحتجاج، وأنَّهُ يُكتفى بالتوضيح لشواهدِ القُدماء (١).
والشعر مِن أهمِّ ما استشهد به أهل العربية والمفسرونَ في بيان الدلالة اللغوية والاحتجاج للأحكام النحوية، وقد احتلَّ في كتب التفسير مَنْزِلةً هامةً، زادت من حيثُ الكمُّ عن غيرها، حيث بدا الشعرُ لديهم مادة غنيةً، وموئلًا واسعًا، يُعتمدُ عليه في الاحتجاج، والتوضيح، والتدليل، والترجيح. وقد كان لهم في ذلك منازعُ مختلفةٌ تبعًا لأسلوب كُلٍّ منهم وغايته، والمرحلة التي أَلَّفَ فيها تفسيره، إذ كان بعضهم يكثر الاعتماد عليه، وبعضهم يقتصد، وآخر يستأنس به استئناسًا.
- حاجة المفسر إلى الشاهد الشعري:
ليس هناك شواهد شعرية في كتب التفسير لكل لفظ في القرآن
(١) ما زال هذا المنهج متبعًا حتى العصر الحاضر، فقد ذكر محمد كرد علي أن معروف الرصافي كان حريصًا على حفظ شعر الشواهد حتى لقبه شيخه الألوسي بالشواهدي نسبة لشواهد الشعر. انظر: المعاصرون ٤٤٠، وذكر محمد الأصمعي عن عبدالرحيم محمود مثل ذلك في كتابه عن أبي الفرج الأصبهاني ٣٠١.