للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنْ ديافيٌّ أَبوهُ وأُمُّهُ ... بِحَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُه (١)» (٢).

فاستعان بالشاهد الشعري في تأييد حجة الأخفش في إعرابه «الذين» على أنه فاعل، واستحسن هذا الوجه، مع أنه قدم عليه حكاية بقية الأقوال في إعرابها (٣).

خامسًا: اعتماد الشاهد الشعري في بيان بلاغة الآيات.

استعان القرطبي في مواضع كثيرة من تفسيره بالشاهد الشعري لشرح الوجه البلاغي للآية المفسرة، وقد بلغت شواهده البلاغية أربعمائة وثمانية عشر شاهدًا بلاغيًا. ومن ذلك ما جاء عند تفسيره قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: ١٢] (٤) حيث قال: «مثل الله الغيبة بأكل الميتة؛ لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه، كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه .... واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية. قال الشاعر (٥):

فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمْ ... وإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيتُ لَهُمْ مَجْدا (٦)» (٧).

ووَفْرُه لحومَهم يعني أَنَّه لا يُطلقُ لِسانَه بقِدحهم كما يصنعون به، وهذه الصورة البلاغية تُسمَّى عند البلاغيين «الاستعارة التمثيلية»، وبيان هذه الصورة في الآية أن الله كَنَّى عَن الغِيبةِ بأكلِ لحم إنسانٍ آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتًا، ثم جعل هذا الميت أخًا للآكل،


(١) ديافي: نسبة إلى دياف، موضع بالجزيرة في بلاد الشام، والسليط: زيت السمسم. انظر: ديوانه ١/ ٤٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٢٦٩.
(٣) انظر: معاني القرآن للأخفش ٢/ ٤٤٧، إعراب القرآن للنحاس ٣/ ٦٤.
(٤) الحجرات ١٢.
(٥) هو محمد بن عميرة المعروف بالمقَنَّعِ الكِنديِّ (٦٥ - ١٢٨ هـ) من شعراء الدولة الأموية. انظر: الشعر والشعراء ٢/ ٧٢٩.
(٦) شعره المجموع ضمن شعراء أميون لنوري القيسي ٢٠٤، شرح الحماسة للمرزوقي ٢/ ٤٣٨.
(٧) الجامع لأحكام القرآن ١٦/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>