بحسب منهج المفسر الذي سار عليها، ومدى علمه بالشعر واللغة. فكثر ذلك في بعضها، وقلَّ في بعضها الآخر.
ونظرًا للتأثر المتبادل بَيْن العُلماءِ المشتغلين بعلم واحد أو علوم متقاربة كعلوم اللغة والتفسير، فإن المؤلفين في غريب القرآن ومعانيه الذين شملتهم هذه الدراسة وهم أبو عبيدة والفراء وابن قتيبة على وجه الخصوص كان لهم ريادة علمية في الجوانب التي صنَّفوا فيها مِمّا له صلة بالتفسير اللغوي للقرآن الكريم. وقد تأثر بهم المفسرون الذين جاءوا بعدهم، وكان لأسمائهم والنقول عنهم ظهور واضح في كتب التفسير.
ولذا لا يُمكن الجزم بوجودِ فروقٍ بين منهج أصحاب كتب «معاني القرآن» و «غريب القرآن» من جهة، والمفسرين من جهة أخرى في الاستشهاد بالشعر وتوظيفه في التفسير، وإِنّما يُعَدُّ منهجُ المفسرين الذين شملهم البحث امتدادًا وتَهذيبًا لمنهج أصحاب معاني القرآن وغريبه. غير أنه يمكن الوقوف عند بعض السِّماتِ المميزة لتلك الكتب في الاستشهاد بالشعر، والتماس بعض الفروق من خلالها، ومن تلك السِّماتِ التي تَمكنتُ من ملاحظتِها ما يلي:
أولًا: التقدم الزمني لكتب الغريب والمعاني.
سبق المصنفون في غريب القرآن، ومعاني القرآن المفسرين من حيث الزمن والتصنيف، وطبيعة بداية التصنيف في أي علم من العلوم يعتريها النقص، وتكثر التعقبات والملحوظات عليها حتى تكتمل هذه المناهج، وتستوي على سوقها.
ومن أوضح الأمثلة على هذا سَبْقُ أبي عبيدة في تصنيف كتابه «مجاز القرآن»، ثم تلاه الأَخفشُ فصنَّف كتابه «معاني القرآن»، وبعده الفراء في كتابه «معاني القرآن» ثم ابن قتيبة بعدهما. حيث بدأ هذا المنهج في الاستشهاد بالشعر في التفسير يتكامل، وتلقاه العلماء بالقبول،