للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يقل: تُخَوِّفينَنِي. لا أباك: أي لا أبا لك، فجاء بقول أهل المدينة. وقال عمرو بن معد يكرب:

تراهُ كالثَّغامِ يُعَلُّ مِسْكًا ... يسوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْنِي (١)

أرادَ: فَلَيْنَنِي، فحذف إحدى النونين». (٢)

وهناك أمثلة أخرى تدل على تأثر أبي عبيدة بشيخه أبي عمرو بن العلاء (٣)، غير أن منهجه الذي سار عليه في «مجاز القرآن» من أوضح الأدلة على تأثره بهذا الإمام اللغوي الكبير، الذي يعد شيخ أبي عبيدة الأول.

وهناك غير أبي عمرو بن العلاء من شيوخ أبي عبيدة الذين كانوا يستشهدون بالشعر في بيان معاني الآيات كيونس بن حبيب، وأبي سوار الغنوي الذي أخذ عنه أبو عبيدة الشعر، فقد ذكر المازني تلميذ أبي عبيدة أنه قرأ على أبيه وهو غلام قوله تعالى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور: ٤٣] (٤) فقال أبو سوار ... (فَتَرى الوَدْقَ يَخرجُ مِنْ خَلَلِهِ)، فقال الأب: مِن خَلَلِهِ قراءة؟ فقال أبو سوار: أما سَمعتَ قولَ الشاعر (٥):

بَنَيْنَ بِغَمْرةٍ فَخَرَجْنَ منها ... خُروجَ الوَدْقِ مِنْ خَلَلِ السَّحابِ (٦)

وبعد أبي عبيدة استمر هذا المنهج العلمي في الاستشهاد بالشعر ظاهرًا في كتب التفسير والغريب والمعاني حتى اليوم، وتفاوتت كتب التفسير في الاعتماد على شواهد الشعر في بيان معاني الألفاظ والتراكيب


(١) الثَّغامُ نبت له نَورٌ أبيضُ يُشَبَّهُ به الشَّيْبُ، الواحدةُ ثَغامة، يُعَلُّ: يُطيَّبُ شيئًا بعد شيء، والفاليات: جَمع فاليةٍ، وهي التي تَفْلي الشَّعَرَ أي: تُخرِجُ القَمْلَ منه. انظر: ديوانه ١٨٠.
(٢) مجاز القرآن ١/ ٣٥٢ - ٣٥٣.
(٣) انظر: مجاز القرآن ١/ ١٥٢، ٢٨٧، أخبار النحويين البصريين ٢٢.
(٤) النور ٤٣.
(٥) هو زيد الخيل الطائي رضي الله عنه.
(٦) الغَمْرَةُ: شدةُ الأَمرِ وضيقهُ، والوَدْقُ: المطر. انظر: لسان العرب ١٥/ ٢٥٦ (ودق)، ١٠/ ١٧٧ (غمر)، أبو عبيدة معمر بن المثنى لنهاد الموسى ١٥٦.

<<  <   >  >>