للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: اعتماد الطبري الشاهد الشعري في شرحه لنظمِ الآية.

يَحتكمُ الطبري في تفسيره لأسلوب العرب في خطابها وكلامها، ومن أمثل ما يمكن الموازنة به من لغتها شِعْرُها المحفوظ الموثوق بروايته، وقد كان الطبري يوازن بين الأسلوب في الآية القرآنية والشاهد الشعري.

- ومن أمثلة ذلك قوله: «وأما معنى قوله: {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} [البقرة: ١١٨] (١) فإنه بِمَعنى: هلاَّ يكلمنا الله، كما قال الأشهبُ بنُ رُمَيلة (٢):

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيْبِ أَفضلَ مَجدِكُمْ ... بَنِي ضَوْطَرى لَولا الكَمِيَّ المُقَنَّعا! (٣)

بِمعنى: فَهلاَّ تَعُدُّون الكميَّ المُقنَّعا» (٤).

فاعتمدَ الطبريُّ على هذا الشاهدِ الشعريِّ في أَنَّ «لولا» في الآيةِ بِمعنى: هَلَّا. وأنَّ معنى البيت: لولا تعُدونَ الكميَّ، أو لولا تبارزون الكميَّ، وهو الفارس الشجاع (٥). وتابعه ابن عطية في ذلك (٦).

وقد يكون إيراده للشاهد الشعري من باب الاعتضاد به، وليس من باب الاعتماد عليه اعتمادًا كليًا، ومثال ذلك قوله وهو يُبَيّنُ أنَّ العرب تُعدِّي فعلَ «هَدَى» بنفسهِ وبالحرفِ: «والعرب تقول: هديت فلانًا الطريق، وهديته للطريق، وهديته إلى الطريق، إذا أرشدته إليه، وسدَّدته له. وبكل ذلك جاء القرآن، قال الله جل ثناؤه: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: ٤٣] (٧)، وقال في موضع آخر: {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ١٢١] (٨)، وقال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦] (٩).


(١) البقرة ١١٨.
(٢) ليس البيت له، وإنما هو لجرير بن عطية، ولعله تابع أبا عبيدة كما في مجاز القرآن ١/ ٣٤، وقد نسبه أبو عبيدة لجرير في النقائض ٢/ ٨٣٣، أمالي ابن الشجري ١/ ٤٢٦ فقد توسع الطناحي رحمه الله في تخريجه.
(٣) ديوان جرير ٣٣٨، خزانة الأدب ١/ ٢٦٦، ٣/ ٥٥ - ٦٠.
(٤) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٥٥٢ - ٥٥٣.
(٥) انظر: الجنى الداني ٦٠٦.
(٦) انظر: المحرر الوجيز ١/ ٣٤١.
(٧) الأعراف ٤٣.
(٨) النحل ١٢١.
(٩) الفاتحة ٦.

<<  <   >  >>