للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمانة العلمية التي تحلى بها أولئك النفر من العلماء الناقدين، والجهابذة العارفين بكلام العرب وأشعارها.

ولما جاء العصر الحديث، أَحيا بعضُ الباحثين قضيةَ الوَضْعِ في الشعر الجاهلي، واقتطعوا من كلام المتقدمين ما يوافق أهوائهم من الطعن في صحة الشعر الجاهلي، وكان الباعث عند هؤلاء المعاصرين من المستشرقين وأتباعهم هو الطعن في الشعر الجاهلي، واتخذوا ذلك مطية للطعن في القرآن الكريم ولغته، والمتأمل لدراسات المستشرقين يلحظُ رَغبةَ نَفَرٍ من المستشرقين في التعرض إلى مفتريات كاذبة تتجه وجهة الهدم في الإسلام، والطعن في النبوة والقرآن، دون أن يكون لهذه المفتريات صلة بالبحث الأدبي الخالص، بل تؤكد الحقائق الواضحة أنهم ما تكلموا في الأدب والشعر الجاهلي لوجه الأدب، بل من أجل الطعن في الإسلام والقرآن؛ ولذلك تصدَّى العلماء لرد هذه الأباطيل، وبالغوا في ذلك حياطة للقرآن، وحمايةً للغة العربية.

وفيما يلي عرض لقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، وتاريخ هذه المسألة منذ كتب فيها العلماء المتقدمون ما يسعى في توثيق الشعر وحفظه، حتى المعاصرين الذين كتبوا ما يوهي من شأن هذا الشعر، ويشكك فيه، مع عرض أدلة الفريقين، وأقوالهم.

أولًا: القدماء:

كان للمفضل الضبي الكوفي (ت ١٦٨ هـ) (١)، والأصمعي (ت ٢١٦ هـ) (٢) سبق في نقد الرواة الكذابين، وبيان ما كذبوا فيه، غير أن أول من بحث هذه القضية بحثًا منظمًا مستفيضًا هو محمد بن سلام الجمحي (ت ٢٣١ هـ)، وعزا أسباب الوضع إلى عاملين أساسيين: العصبية القبلية، والرواة الوضاعين، فقد رأى أن بعض القبائل كانت تتزيد في


(١) انظر: الأغاني ٦/ ٨٩.
(٢) انظر: مراتب النحويين ٤٦ - ٤٨.

<<  <   >  >>