المبحث السادس: الفرق بين منهج أهل المعاني والغريب والمفسرين في توظيف الشاهد الشعري في التفسير.
كان السابقُ من المفسرين للاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم هو حبْرُ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم تفصيل ذلك عند الحديث عن مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس. ورغم ما قيل في تضعيف عدد من هذه المسائل إلا أنَّ أصل وقوعها ثابت، ومعرفة ابن عباس بالتفسير والشعر تؤيدُ قبول جزء من هذه المسائل، مِمّا يعني صحة المنهج الذي سار عليه دون إفراطٍ، ومِمّا يدل على ذلك أن تلاميذه كعكرمة وزيد بن أسلم وغيرهم من التابعين وأتباعهم كانوا يسيرون على المنهج ذاته، غير أنهم لم يكونوا في العلم بالشعر في مرتبة ابن عباس رضي الله عنهما، ولذلك لم يظهر الشعر كثيرًا في تفسيراتهم كابن عباس.
ثم لم تزل طبقات المفسرين تتابع بعد ذلك، حتى جاء أبو أبو عبيدة في نهاية القرن الثاني الهجري فصنف كتابه «مجاز القرآن» وهو في السبعين من عمره نحو سنة ١٨٨ هـ، واتخذ الاستشهاد بالشعر خاصة، ولغة العرب بصفة عامة منهجًا سار عليه في معظم كتابه، وإن لم يُخْلِهِ تَمامًا من الاستشهاد بالقرآن نفسه، أو بالسنة وأقوال السلف في بعض المواضع، فاستقبل العلماءُ في عهدهِ كتابَهُ بالرفضِ والإنكار، وكثرت النقولُ عنهم في ذلك وقد تقدم ذكرها في البحث، غير أنه لم يلبث العلماء أن ساروا على هذا المنهج، ودرسوا كتابه «مجاز القرآن»، ودَرَّسوه لتلاميذهم، ونقلوا شواهده وتفسيراته، وتعقبوه في كثير منها،