للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التجاوز على الحق والخروج على أصول البحث العلمي، الغلو في تقدير المنحول والمبالغة فيه اعتمادًا على فرضيات لم تثبت، ولم تصح تاريخيًا، ومن الخطأ الفاحش أيضًا أن تؤخذ فكرة الانتحال مركبًا ذلولًا لدفع كل ما يغمض على الدرس.

وإذا كان ابن سلام قد فتح للنقاد طريقًا يؤدي إلى تصحيح المخطوء ورد المنحول ومعرفة الحق من الباطل، فإنه كذلك حذر الباحثين ونبههم إلى أن ما اتفق عليه العلماء بالشعر، فليس لأحد أن يخرج منه (١). وذكر ابن سلام أن خلاَّدَ بن يزيد الباهلي قال لخلف بن حيان أبي محرز - وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله-: بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تُروى؟ قال له: هل فيها ما تعلم أنت أنَّهُ مصنوعٌ لا خير فيه؟ قال: نعم، قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم، قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مِمَّا تعلمُ أنت (٢). فهذا دليل على عدم اعتبار ما أسقطه العلماء بالشعر، وأهل البصر بروايته.

ثانيًا: عند المعاصرين:

بقيت هذه القضية قضية علمية في حدودها المقبولة، تبحث في كتب الأدب وغيرها، حتى كان العصر الحديث فأثيرت قضية الانتحال مرة أخرى بصورة مغايرة، وتناولها المستشرقون والعرب، ومن هؤلاء المعتدل المنصف، ومنهم المشتط المسرف المتحامل، وقامت مناقشات، وكتبت ردود، وكان السبق في إثارة هذه القضية للمستشرقين ثم تبعهم العرب في تناول هذه القضية.

- فأَما المستشرقون فقد عرض المستشرق الفرنسي بلاشير قضية


(١) انظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٧ - ٨.
(٢) انظر: المصدر السابق ١/ ٧.

<<  <   >  >>