للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن إسحاق ونقده، بل أخذ آخرون على عاتقهم مهمة تنقية الشعر مما شابه من الزائف المصنوع، مثل ابن هشام صاحب السيرة النبوية (ت ٢١٨ هـ) الذي عمل على تهذيب سيرة ابن إسحاق، وتعقب ابن إسحاق فنقد الشعر، وبين الفاسد المصنوع، وأسقط الشعر الفاسد، وأوضح نقد العلماء له، وذكر الروايات الصحيحة، وهكذا (١).

وقد اعتذر ابن إسحاق بأنه لا علم له بالشعر، وأنه يؤتى به فيحمله، ولم يرض ابن سلام بذلك العذر، فقال: «ولم يكن له ذلك عذرًا، فكتب في السيرة أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود، فكتب لهم أشعارًا كثيرة، وليس بشعر .... فلو كان الشعرُ مثلَ ما وُضِعَ لابن إسحاق، ومثل ما رواه الصحفيون ما كانت إليه حاجة، ولا فيه دليل على علم» (٢).

ونقد ابنُ النديم ابنَ إسحاق كذلك، فقال: «ويقال كان يُعْمَلُ له الأشعارُ ويُؤتى بِهَا، ويُسْأَلُ أن يُدخلها في كتابه السيرة فيفعل، فضَمَّنَ كتابَه من الأشعار ما صار به فضيحةً عند رواة الشعر» (٣).

هؤلاء العلماء الأثبات حين جرحوا الرواة وكذبوا الوضاعين وبينوا الشعر الفاسد المصنوع، وثقوا من ناحية ثانية الشعر الصحيح، وعدلوا الرواة الثقات، وشهدوا لهم بالدقة والأمانة والعلم. ففي الشعر الجاهلي والإسلامي، شعر منتحل موضوع، ولم يكن النقاد القدامى غافلين عنه، فقد نقدوه ومحصوه، وبينوا صحيحه من فاسده، ولكن ذلك الشعر المصنوع لم يكن من الكثرة بحيث يضطرب الدارسون في معرفته، أو يتخذون ذلك القليل الفاسد وسيلة لا تهام الشعر الجاهلي عامة، فإن من


(١) انظر: السيرة النبوية ١/ ٤، مصادر الشعر الجاهلي ٣٣٥ - ٣٤٥.
(٢) طبقات فحول الشعراء ١/ ٨.
(٣) الفهرست ٣٦.

<<  <   >  >>