للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: أثر الشاهد الشعري في بيان الوجه الإعرابي للقراءة المتواترة.

صحة إسناد القراءة المتواترة يغني عند العلماء عن طلب دليل آخر لقبولها، غير أن العلماء قد احتجوا لهذه القراءات من حيث اللغة والإعراب، لتأكيد صحتها، وكونها موافقة للغة العرب المحفوظة عنهم. ومن الأمثلة على الإفادة من الشاهد الشعري في توجيه القراءات المتواترة من حيث الإعراب:

١ - قال الطبري قوله عند بيان توجيه قراءة من قرأ قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (٥٩)} [الأنفال: ٥٩] (١) بكسرِ هَمزة «إِنَّهم» (٢): «للذي قرأ ذلك من القَرَأَةِ وجهانِ في كلام العرب، وإِنْ كانا بَعيدينِ مِن فصيحِ كلامِهم:

- أحدُهُما: أن يكونَ أُريد بهِ ولا يَحسبَنَّ الذين كفروا أَنْ سَبَقو، أو أَنَّهمْ سَبَقوا، ثُمَّ حذف «أَنْ»، و «أَنَّهم»، كما قال جلَّ ثناؤه: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم: ٢٤] (٣) بمعنى: أَنْ يُريكُمُ، وقد يُنشَدُ في نَحو ذلكَ بيتٌ لذي الرُّمَّةِ:

أَظنَّ ابنُ طُرثُوثٍ عُتَيبَةُ ذاهِبًا ... بِعادِيَّتِي تَكْذابُهُ وَجَعائِلُه (٤)

بِمَعنى: أَظنَّ ابنُ طُرْثُوثٍ أَنْ يذهبَ بِعادِيَّتِي تَكذَابهُ وجَعائِلُهُ؟ وكذلك قِراءةُ مَنْ قرأَ ذلك بالياء، يُوجِّهُ {سَبَقُوا} إلى (سابقين) على هذا المعنى.

- والوجه الثاني: على أَنَّه أَراد إضمار منصوبٍ بـ «يحسب»، كأَنَّه قال: ولا يَحسبِ الذين كفروا أَنَّهم سَبَقُوا، ثُمَّ حذفَ «أَنَّهم» وأَضمر». (٥)


(١) الأنفال ٥٩.
(٢) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة عن عاصم والكسائي {تَحْسَبَنَّ} بالتاء مع كسر همزة {إِنَّهُم}. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم {يَحْسَبَنَّ} مع كسر همزة {إِنَّهُم}، وقرأ ابن عامر {يَحسَبَنَّ} وفتح همزة {أَنَّهُم}. انظر: السبعة ٣٠٧، التيسير ٩٦.
(٣) الروم ٢٤.
(٤) العاديَّةُ: البئر القديمة نسبةً إلى عادٍ، جَعَائِلُه: ما جَعله للسلطانِ من الرشوةِ. انظر: ديوانه ٢/ ١٢٦٤.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١٤/ ٢٩ - ٣٠، (هجر) ١١/ ٢٤٢ - ٢٤٣.

<<  <   >  >>