المبحث الثالث: أثر الشاهد الشعري في الجانب العَقَديِّ عند المفسرين.
تقدم الكلامُ عن نشأة الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم، وأَنَّ أَولَّ من فَتَقَ هذا المنهج حتى سار فيه تلاميذهُ مِن بعده هو حَبْرُ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم توالى تلاميذه من بعده على هذا المنهج، مع تفاوتهم في ذلك بحسب تفاوت حظوظهم من المعرفة بشعر العرب وشواهده. وقد أخذ أهل السنة هذا المنهج باعتدالٍ، واستشهد المفسرون منهم كالطبري بالشعر في تفسيرهم للقرآن باعتدالٍ متى دعت الحاجة إلى ذلك.
غير أن طوائف من أهل البدع قد بالغوا في التعويل على التفسير باللغة، والاعتماد على شواهد الشعر في فهم القرآن الكريم مبالغةً أغفلوا بسببها ما روي عن السلف من الصحابة والتابعين من التفاسير التي هم أعلم بها، والمصير إليها أولى من الاعتماد على مجرد اللغة وشواهدها من الشعر. وقد تقدم ذكر منهج أبي عبيدة في «مجاز القرآن»، ومؤاخذةِ العلماء له في بعض ما ذهب إليه من تفسير لبعض الآيات، مع استقامة منهجه في الاستشهادِ من حيثُ الجملةُ، وأبو عبيدة كان مِمَّن يرى رأيَ الخوارج (١)، في رأيهم دون فعلهم والخروج والثورة على الحكام، فكان لهذا المعتقد دور في تعويله على الشعر، ومبالغته في الاستشهاد به، كما