للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظهر من منهج الخوارج بدءًا من نافع بن الأزرق كما تقدم في أسئلته لابن عباس، وإصراره على أن يكون مع كل جواب شاهد من الشعر، وانتهاء بما سار عليه الخوارج بعد ذلك في كتبهم ومصنفاتهم.

ومِمَّا يُستأَنسُ به في ذلك أَنَّ الإباضية (١)، وهي فرقة من فرق الخوارج كانوا يَحرِصُونَ على التفسير اللغوي، ولو تعارض مع تفاسير السلف، ويُعوِّلونَ على شواهدِ الشعر في تفاسيرهم، ولهم عنايةٌ شديدةٌ بذلك. وقد حُفِظَت رسالةٌ كتبها بعضُ الإباضية إلى عبد الله بن أحمدَ التميميِّ (٢)، أحدِ قضاة المالكية في دولة الأغالبة، يسألونه فيها عن آيات من القرآن الكريم، ويطلبون منه فيها «أن يكونَ الاحتجاجُ والدليلُ، في جواب مسائلهم من اللغة العربية، ومن أشعارِ العَرَبِ الأوائلِ الجِيادِ المعروفة المُسْتَشهدةِ، لا مِنْ غيرِ ذلك». (٣) وذكروا في رسالتهم أنهم لا يريدون أن يكون الجواب «من استشهاد القرآن بعضهِ على بعضٍ، وأَنَّهم مُكتفونَ بِما عندهم مِن إسلامهم ومشايخِهم وأَنَّهم أرادوا ما أَعجَزَهم، وإِنَّما أَرادوا خارجَ الجوابات ودلائِلَها من اللغة العربية، وأَشعارِ العرب المتقدمةِ، ولأَنَّهم قد بَلغهم في الروايات أَنَّ عبد الله بن العباس رحمةُ الله عليه، قال: «إذا أشكلَ عليكمْ شيءٌ من القرآن فاطلبوهُ في أَشعارِ العربِ» (٤)، واحتجوا في طلبهم التفسير باللغة بقول الله عزَّ وجلَّ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٥] (٥) وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ


(١) هم أصحاب عبد الله بن إباض، اختلفوا مع الخوارج في بعض آرائهم فافترقوا عنهم، لهم آراء متفرقة في أبواب العقيدة، ومن تفاسيرهم المطبوعة تفسير هُودِ بنِ مُحكّم الهوَّاريِّ. انظر: الملل والنحل ١/ ١٥٦، الفَرْقُ بين الفِرَقِ للبغدادي ١٠٣.
(٢) هو أبو العباس عبد الله بن أحمد بن طالب التميميُّ، قاضٍ وفقيه مالكي، من بني عم الأغالبة أمراء القيروان، ولد سنة ٢١٧ وتوفي سنة ٢٧٦ هـ، له كتاب الأمالي في ثلاثة أجزاء، والرد على من خالف مالكًا. انظر: الأعلام للزركلي ٤/ ٦٥.
(٣) رسالة الرد على مسائل الإباضية للإمام أحمد بن يحيى ٨٧.
(٤) تقدم تخريج هذا الأثر ص ...
(٥) الشعراء ١٩٥.

<<  <   >  >>