للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حان الأجل، فكذلك بيت المتنبي يحمل المعنى نفسه، وهو أن الذي ينجو من المرض بالشفاء، فإنما هي نجاة مرهونة بحلول الأجل والموت.

٢ - ومن الأمثلة قول القرطبي وهو يفسر معنى وصف الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالعبد، فقال: «وقال بعضهم: لما كانت العبادة أشرف الخصال، والتسمي بها أشرف الخطط، سَمَّى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - عبدًا، وأنشدوا:

يا قومُ قَلبي عندَ زهراءِ ... يعرفهُ السامعُ والرَّائي

لا تدْعُنِي إِلا بيَا عَبدَها ... فإِنَّهُ أشرفُ أَسْمائي (١)» (٢).

وهذا من القرطبي تَمثلٌ بهذين البيتين لا استشهاد به، وأكثر من يستشهد بها أهل التصوف (٣).

ويكثر عند المفسرين من أهل التصوف أيراد الشعر لأغراض خاصة بأهل التصوف، ولهم في ذلك اصطلاحات خاصة بهم، ويكثر هذا عند أهل التفسير الإشاري، ومعظم هذه الأشعار تشتمل على معاني الحب والشوق والغرام، وغرضهم من إيرادها ليس المعاني الظاهرة من الشعر، وإنما معاني أخرى، هي معاني التعلق بالله، والشوق إليه، وهذا دأب أهل التصوف فإنهم يُكثرونَ من الاستناد إلى الأشعار في تحقيق المعاني العلمية والعملية، ويجري ذلك في كتبهم، وفي بيان مقاماتهم، «فينتزعون معاني الأشعار، ويضعونها للتخلق بمقتضاها، وهو في الحقيقة من المُلَحِ؛ لما في الأشعار الرقيقة من إمالة الطباع، وتحريك النفوس إلى الغرض المطلوب، ولذلك اتخذه الوعاظ ديدنًا، وأدخلوه في أثناء وعظهم» (٤).


(١) غير منسوبين.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٦١.
(٣) ذكر المقري أن أبا العباس المرسي المتصوف كان كثيرًا ما ينشدهما. انظر: نفح الطيب ٣/ ١٢٤.
(٤) الموافقات للشاطبي ١/ ١١٦.

<<  <   >  >>