للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإِنِّي وإِيَّاكُمْ وشَوقًا إليكمُ ... كَقابضِ مَاءٍ لم تسقه أَنامِلُه (١)

يعني بذلك أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء؛ لأن القابض على الماء لا شيء في يده، وقال الآخر (٢):

فأَصْبحتُ مِمَّا كانَ بَيْنِي وبَيْنها ... مِن الوُدِّ مثلَ القَابضِ الماءَ باليَدِ». (٣)

ففي هذين الشاهدين البلاغيين دلالة التشبيه، وقد شرح الطبري الأول منهما، وهذا منهج عند الطبري أن يشرح الشاهد الأول ويترك ما بعده استغناء بشرح الأول، وثقةً بفطنةِ القارئ.

٢ - وعند قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٢] (٤) فَسَّر ابن عطية السماءَ بأنَّها بِمعنى السَّحاب، وأنه: «سُمِّي بذلكَ تَجوُّزًا، لَمَّا كان يَلي السماءَ ويُقاربُها، وقد سَمُّوا المطرَ سَماءً للمُجاورةِ، ومنه قول الشاعر (٥):

إذا نَزَلَ السماءُ بأَرض قَومٍ ... رَعيناهُ وإنْ كانوا غِضابا (٦)

فتجوزٌ أيضًا في «رعيناهُ»، فبتوسط المطرِ جَعلَ السماءَ عُشبًا». (٧)

وابن عطية يشير إلى ما يسميه البلاغيون المَجازُ المرسل وإن لم ينص عليه بالاسم، ومعنى البيت: إذا سقط المطرُ بأرض قومٍ فأخصبت بلادُهم، وأجدبتْ بِلادُنا، سِرْنا إليهم ورعينا نباتَهم، وإن غضب أهلها لم نُبالِ بذلك لِعزِّنا. والضمير في قوله: «رعيناه». كأَنَّه عائدٌ إلى السماء التي بِمعنى المطرِ، سُمِّي النباتُ به لأنهُ سببُ حُدُوثه بأمر الله.


(١) الصناعتين ١٨٤، خزانة الأدب ٩/ ٣٢٣.
(٢) هو أبو دهبل الجمحي، والشاهد في الأغاني ٧/ ١٣٩، ونُسِبَ للأحوص الأنصاري كما في حاشية ديوانه المجموع ٢٧٣، ورجَّحَ جامعُ الديوان نسبته لأبي دهبل.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١٦/ ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٤) البقرة ٢٢.
(٥) هو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب.
(٦) انظر: المفضليات ٣٥٩ وقد استوفى المحقق تخريجه، الحماسة البصرية ١/ ٢٥٢.
(٧) المحرر الوجيز ١/ ١٤٢.

<<  <   >  >>