للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندي بمدة طويلة» (١)، وقد لقيه ابنُ سُريجٍ في مصر «فوجده فاضلًا في كل ما يذاكره به من العلم، ويجيب في كل ما يسأله عنه، حتى سأله عن الشعر فرآه فاضلًا بارعًا فيه، فسأله عن شعر الطرماح - وكان من يقوم به مفقودًا في البلد - فإذا هو يحفظه، فسئل أن يمليه حفظًا بغريبه» (٢).

وتفسير القرآن الكريم وتفسير الشعر لا يكادان في جانب اللغة يحتلفان وإن كان للقرآن الكريم خصوصيته، كما قال الطبري: «فالواجب أن تكون معاني كتاب الله المُنَزَّلِ على نبينا - صلى الله عليه وسلم - لمعاني كلام العرب موافقةً، وظاهرُه لظاهر كلامها مُلائِمًا، وإِنْ بَايَنَه كتابُ الله بالفضيلة التي فَضَلَ بِهَا سائرَ الكلام والبيان» (٣).

وقد كان من أهم دوافع شرح العلماء للشعر والعناية به هو الرغبة في خدمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، مما جعل دراسة الشعر وتفهمه بابًا من أبواب حفظ لغة القرآن الكريم، وتقوية تفسيره، وقد تقدم شيء من أقوال العلماء في وجوب تعلم اللغة العربية قبل الكلام في تفسير القرآن الكريم، وحسبك بقول مجاهد تلميذ ابن عباس: «لا يَحِلُّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب» (٤)، وقول الإمام مالك: «لا أوتى برجلٍ غير عالمٍ بلغاتِ العَرَبِ يفسرُ كتابَ الله إلا جعلتُه نَكَالًا» (٥)، وهذا كلامٌ يُدْخِلُ المسألةَ بابَ الحِلِّ والحُرمةِ، ويُحرِّمُ على من لم يفهم اللغة والنحو أن يفسرَ القرآنَ.

وقد وظَّفَ المفسرون علمَهم بالشعر ومعانيه وأقوال العلماء فيه في تفاسيرهم، فجاءت مليئةً بأرائهم ونظراتهم في الشعر، ومعانيه، وإعرابه، ومناسباته، وذكر بعض أحوال الشعراء، وسأبين في هذا المبحث منهج


(١) المصدر السابق ٥/ ٢٥٤.
(٢) معجم الأدباء ٥/ ٢٥٠.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٢.
(٤) المصدر السابق ١/ ٣٩٦.
(٥) البرهان في علوم القرآن ١/ ٣٩٦.

<<  <   >  >>