للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمثالها لا تحمل على ظاهرها لاحتمالها التجسيم، وأنه يجب تأويلها بِمعنى الإنعام أو القوة أو نحو ذلك، ومن ذلك قول ابن عطية عند تفسير الآية: «والظاهرُ أَنَّ قولَهُ تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] عبارةٌ عن إنعامهِ على الجُمْلَةِ، وعَبَّر عنهُ بِيَدينِ؛ جَرْيًا على طريقةِ العَرَبِ في قولِهم: فلانٌ يُنْفِقُ بِكِلتي يَديهِ، ومنه قولُ الشاعرِ، وهو الأعشى:

يداكَ يَدَا مَجْدٍ، فَكَفٌّ مُفيدةٌ ... وكَفٌّ إذا ما ضُنَّ بالمَالِ تُنْفِقُ (١)

ويؤيد أَنَّ اليَدين هنا بِمعنى الإنعامِ، قَرينةُ الإنفاق». (٢) واختار الزمخشري والقرطبي هذا القول أيضًا، في تفسيريهما (٣)، غير أن الطبري قد ذكر في تفسيره لهذه الآية القول الفصل في هذا، حيث ذكر أن أهل الجدل قد اختلفوا في تفسير قوله تعالى على أربعة أقوال:

الأول: أَنَّها بِمعنى نِعمتيه؛ لأَنَّ العربَ تقول: لكَ عندي يَدٌ، يعنون بذلك: نعمة.

الثاني: أَنَّها بِمعنى القوةِ، وأَنَّ هذه الآية نظير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: ٤٥] (٤) فهي بِمَعنى: أولي القوة.

الثالث: أَنَّها بِمَعنى الملك، وقالوا: معنى قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]: مُلْكُهُ وخَزائِنُهُ، وذلكَ كقولِ العربِ للمَمْلوكِ: هو مِلْكُ يَمينِهِ، وفلانٌ بيدهِ عُقدةُ نِكاحِ فلانة، أي: يَملكُ ذلك.

الرابع: أنها صفة من صفات الله، تثبت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غير تشبيه ولا تَمثيلٍ، ولا تكييف ولا تعطيل. ورجح الطبري هذا القول الرابع، واستدل له بِمَعنى قوله تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] وقال: «ولو كان معنى اليد في ذلك النعمة ما كان


(١) انظر: ديوانه ٢٢٥.
(٢) المحرر الوجيز ٥/ ١٥٠.
(٣) انظر: الكشاف ٢/ ٢٦٧، الجامع لأحكام القرآن ٦/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٤) ص ٤٥.

<<  <   >  >>