للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)} [الأنعام: ١١٣] (١)، فيبقى الشاهد صالحًا لذلك بروايتيه (٢).

أَمَّا المؤلفون في علوم القرآن، والأصوليون، والمؤلفون لكتب الاعتقاد، فقد أوردوه للاستشهاد به على معنى المُحكمِ والمتشابه، وهو بهذا لا يصلح الاستشهاد به، لوقوع التحريف فيه في موضع الشاهد منه. ويحتمل أن التصحيف قد دخل في هذا الشاهد في كلمتين، فتصحفت كلمة «مَحْلَمَة» إلى «مُحْكَمَةٍ»، وكلمة «التسفيه» إلى «التشبيه».

والتصحيف من عيوب الشاعر التي وقع كثير من العلماء فيها، وقد صحف أبو عبيدة بيتًا لامرئ القيس، وفسر بموضع التصحيق آية من كتاب الله على معنى خالفه فيه المفسرون. فقد روى أبو عبيدة قول امرئ القيس:

تَجاوَزتُ أَحراسًا إِلَيها وَمَعشَرًا ... عَلَيَّ حِراسًا لَو يُسِرّونَ مَقتَلي (٣)

فكان أبو عبيدة يرويه:

رِجالٌ حِرَاصٌ لو يُسِرُّون مَقتلي

بالسين غير المعجمة، وفَسَّرَ به قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [يونس: ٥٤] (٤) أي: أظهروها. ورواية الأصمعي للبيت:

تَجاوَزتُ أَحراسًا إِلَيها وَمَعشَرًا ... عَلَيَّ حِراسًا لَو يُشِرّونَ مَقتَلي

أي: يظهرون، يقال: أشررت الثوب إذا نشرته، وشررته أيضًا (٥).

وقد قَبِلَ بعضُ العلماء الاستشهاد بالشعر المنحول رغم صنعته، واشترطوا لقبوله شرطين:


(١) الأنعام ١١٣.
(٢) انظر: تفسير الطبري (هجر) ٩/ ٥٠٤، الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٤٦، البحر المحيط ٤/ ٢٠٧.
(٣) انظر: ديوانه ١٩.
(٤) يونس ٥٤.
(٥) انظر: شرح ما يقع فيه التصحيف للأصبهاني ٨٧.

<<  <   >  >>