للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلام الناس المنثور الخالي من هذه الضرورات. يقول الشاطبي (٧٩٠ هـ): «أما الاعتمادُ على الشعر مجردًا من نثر شهيرٍ يضاف إليه، أو يوافق لغةً مستعملةً يُحمل ما في الشعر عليها، فليس بمعتمد عند أهل التحقيق؛ لأن الشعر محل الضرورات» (١). ومثله أبو حيان الغرناطي، فقد رد الشواهد التي استشهد بها من أجاز تقديم الحال على صاحبه المجرور على الرغم من كثرتها بقوله: «وهذا الذي استدلوا به من السماع - على تقدير أن لا يتصور تأويله- لا حجة فيه، لأنه شِعْرٌ، والشعر يجوز فيه ما لا يجوز في الكلام» (٢).

ويقول ابن جني: «والشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار، وكثيرًا ما يُحَرَّفُ فيه الكَلِمُ عن أَبنيتهِ، وتُحال فيه المُثُلُ عن أوضاعِ صِيَغِها لأَجلِهِ» (٣).

وبِما أَنَّ للشعر لغته الخاصة به، فإن الشاعر مقيَّد بِمراعاة أحكام الوزن، والخضوع لشروط القافية وإقامة الروي، وملزم بعدد من التفاعيل العروضية ليستقيم عروض البيت، فالشاعر «مضطر أن يسلك من السبل كل شاق بسبب إقامة الوزن، ولذلك خلت النصوص الفصيحة البليغة من أمثال هذه العثرات لأن ذلك يعرض للشاعر. وعلى ذلك فإن الشعر لا يمكن أن يكون شواهد لغوية قوية، وربما كان بسبب ذلك أننا نجد جميع العيوب التي تقدح في الفصاحة في الشواهد الشعرية» (٤).

كذلك فإن الشعر يخضع للضرورة الشعرية التي تبيح للشاعر أن يخالف قواعد اللغة في حدود معروفة لأجل إقامة الوزن، فقد «أبيح للشاعر ما لم يبح للمتكلم من قصر الممدود، ومد المقصور، وتحريك


(١) الشواهد والاستشهاد للنايلة ١٣٥.
(٢) المصدر السابق ١٣٥.
(٣) الخصائص ٣/ ١٨٨.
(٤) النحو العربي نقد وبناء للسامرائي ٩١ - ٩٢، وانظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٥٦.

<<  <   >  >>