للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشار إلى ذلك ابن جني تحت باب «القول على الاطراد والشذوذ»، حيث ذكر أن «الاطراد هو التتابع والاستمرار، والشذوذ التفرق والتفرد، فجعل أهل العلم علم العرب ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردًا، وجعلوا ما فارق عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذًا» (١).

وهناك شواهد حكم عليها العلماء بالشذوذ، وقد شارك المفسرون في تعقب بعض الشواهد الشعرية التي حكم عليها بالشذوذ، مما يدل على عنايتهم وفطنتهم عند استخدام الشواهد الشعرية، ووعيهم للمؤاخذات التي وردت على بعض الشواهد. ومن الأمثلة على ذلك قول ابن عطية: «وفي مصحف ابن مسعود {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبٌ}، وجعل الخبر قوله: {أَنْ أَوْحَيْنَا} [يونس: ٢] (٢). والأول أصوب - أي جَعْلُ «عَجَبًا» خبرًا لكان -؛ لأن الاسم معرفةٌ، والخبر نكرة، وهذا القلب لا يصح، ولا يجيء إلا شاذًا، ومنه قول حسان:

يَكُونُ مِزَاجَها عَسَلٌ ومَاءُ (٣)» (٤).

وهذا المثال يحتمل أن يكون مقصود ابن عطية بمجيئه شاذًا أي في الشعر وغيره، غير أنه قد ذكر مثالًا له من الشعر، مما دفعني إلى الاستئناس بالتمثيل به.

وربما لم ترد بعض الألفاظ إلا في شاهد شعري وحيدٍ، كما ذكر الطبري أنه لا يزاد من بناء «فُعَال» على الأربع، فلا يقال خُمَاسَ وسُدَاسَ، إلا في عُشَارَ لِمَجيئها في بيت من شعر الكميت بن زيد، وهو قوله:


(١) الخصائص ١/ ٩٧.
(٢) يونس ٢.
(٣) انظر: ديوانه ١٢.
(٤) المحرر الوجيز ٩/ ٥.

<<  <   >  >>