للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفراء، ونص على سماعه ممن يستشهد بكلامه في موضعين من المعاني. جاء في الأول: «أنشدني العكلي أبو ثروان .. » (١). وفي الثاني: «أنشدني أبو ثروان ... » (٢)، وهذا الشاهد هو قول الشاعر:

كلِّفَ من عَنَائهِ وشقوتِهْ ... بِنتَ ثَماني عشرةٍ مِنْ حِجَّتِهْ (٣)

حيث قال ابن الأنباري عنه: «فلا يعرف قائله، ولا يؤخذ به» (٤). فكيف يستقيم لأبي البركات الأنباري رده، والفراء عالم ثقة (٥)، وأبو ثروان العكلي أعرابي فصيح (٦).

ويلاحظ أن كلام ابن الأنباري وغيره في التطبيق يخالفه في التنظير، فكتب التفسير كلها على خلاف ذلك وكذلك كتب النحو، فإذا أمكن التسليم أن الشاهد إذا جهل قائله، وجهل راويه رُدَّ الاستشهاد به (٧) - إذ يترتب على ذلك جهالة حال القائل، ويحتمل أن يكون ممن يستشهد بكلامه، كما يحتمل أن لا يكون - فلا يُوافق في أن الشاهد إذا جهل قائله رد الاستشهاد به، وإن رواه علماء ثقات؛ ذلك أن العالم الثقة لم يكن ليرويه إلا لثقته في طرق ذلك الشاهد بعد التمحيص والتدقيق، أو لسماعه له ممن يستشهد بكلامه. ورد الشاهد للجهل بقائله منهج سار عليه الأنباري في «الإنصاف» مما جعل كثيرًا من الباحثين يتهمه بالتحامل على الكوفيين في ترجيحه وحكمه. ومن الشطط والتمحل مطالبة العلماء من النحويين والمفسرين وغيرهم بتعيين عين القائل فيما استشهدوا به، خاصة أن التزام العلماء بذكر السند في رواية الشعر قليل، إذ لم يكن يتصل بأمور دينهم، كما يتصل الحديث والتفسير، ولا يترتب عليه أمر من أمور التشريع، فهذا الأصمعي يورد قصيدة النابغة الذبياني:


(١) معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٤.
(٢) معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٤٢.
(٣) لنفيع بن طارق كما في شرح التصريح ١/ ٢٧٥.
(٤) الإنصاف ٢٦٧.
(٥) انظر: إنباه الرواة ٤/ ٧ - ٢٣.
(٦) انظر: الفهرست ٧٣.
(٧) انظر: لُمَع الأدلة ٩٠ - ٩٢.

<<  <   >  >>