للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحابة، ويخفى عليهما هذا، في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يُسئل عن معانيها. وذلك أن القرآن الكريم ما نزل إلا للبيان، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: ٤٤] (١) ومعنى {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} وضحت، فإن هذا كان اعتراضهم، وأما كونها تفصيلًا لإجْمَالٍ فهذا لا قدح فيه. قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)} [هود: ١] (٢). وكذلك قوله تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي بعيد عن العقل أن يأتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكلام لا يفهمه قومه، فأيُّ فائدة لهذا الكلام؟ ولذلك قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤] (٣).

غير أنه يمكن القول: إن خفاء بعض الألفاظ على هؤلاء الصحابة وارد، ولا سيما إذا لم تكن من لغة قومهم، ولا يتعلق بمعرفتها حكم شرعي، وكان معناها العام مفهومًا من سياق الآيات. وفي قصة عمر بن الخطاب عندما قرأ قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)} [عبس: ٣١] (٤) وقوله: «كل هذا قد علمناه، فما الأبُّ؟ ثم ضرب عمر بيده، ثم قال: لعمرك إن هذا لهو التكلف، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب ... وما يتبين فعليكم به، وما لا فدعوه» (٥). وقد عقب الزمخشري على هذه القصة بقوله: «ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفًا عندهم .... ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن» (٦).

وقد روى الحاكم أن عمر رضي الله عنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية فقال: «هو نبت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام، ولا يأكله الناس» (٧). وقال ابن حجر في خبر أبي بكر: إنه منقطع، وفي خبر عمر:


(١) فصلت ٤٤.
(٢) هود ١.
(٣) إبراهيم ٤.
(٤) عبس ٣١.
(٥) تفسير الطبري (هجر)، فضائل القرآن لأبي عبيد ٢/ ٢١١، الكشاف ٤/ ٧٠٤ - ٧٠٥.
(٦) الكشاف ٤/ ٧٠٥.
(٧) المستدرك ٣/ ٥٣٩.

<<  <   >  >>