للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في إيراد مسائل اللغة وشواهدها في كتابه: «وأَذكرُ مِن قولِ الجِلَّةِ من العلماءِ باللغةِ، وأَهلِ النَّظَرِ ما حَضَرني» (١)، ثم لا يزال يكثر الأدلة حتى يستوفي. ويقول أبو حيان وهو يذكر صورَ «مَنْ» في اللغة وجوازُ أن يُحملَ الكلام على لفظها أو على معناها، فلما ذكرَ «مَنْ» الموصوفة قال: «ليس مِنْ مَحفوظي مِنْ كلامِ العَرب مراعاةُ المَعْنَى، يعنِي تقولُ: مررتُ بِمَن مُحْسِنونَ لكَ» (٢).

فدل على أنه يستشهد بما يحضره حال إملائه لتأليفه، أو تأليفه، بل إن بعض المفسرين قد يَحتاجُ إلى تنقيبٍ وبَحثٍ عن الشواهدِ، فلا تَقَعُ له إلا بعدَ طولِ تتبعٍ ومراجعة، ومن ذلك أَنَّ ابنَ قتيبةَ على سَعةِ مَحفوظهِ من الشِّعرِ، سُئِلَ عن لفظةِ «جهنَّمَ»، وهل ذُكرت في الشعر القديم فقال: «هذا يحتاج إلى تتبعٍ وطَلَبٍ، وقد تذكرتُ، فلم أذكر إلا شيئًا وجدته في شعر أمية بن أبي الصلت قال ... » (٣). ثُمَّ ذَكَرَ أبياتًا. ومثله الجاحظ على سعة عارضته وحفظه للشاعر يقول بعد أن ذكر بيتًا للنمر بن تولب: «وما أحسن ما قال النمر بن تولب، ولقد جهدت أن أصيب بيت شعر مثل هذا للعرب فما قدرت عليه» (٤).

غَيرَ أَنَّ تقديم المفسر في استشهاده للشاهد الشعري على غيرهِ يوحي بنوعِ مَزيَّةٍ له، وقد تقدم الإشارة إلى منهج المفسرين في ترتيب الشواهد الشعرية، وأنهم كثيرًا ما يصدرون الأدلة بالشاهد الشعري، ومن أمثلة تقديم الشاهد الشعري، مما يوحي باعتماده، والاعتضاد بِمَا بعده، ومن ذلك قولُ الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: ١٣] (٥): «يقال منه: نَظَرْتُ الرَّجُلَ أَنْظُرُهُ نَظرةً، بِمَعنى: انتظَرْتُهُ وَرَقَبْتُه، ومنه قول الحطيئة:


(١) معاني القرآن الكريم ١/ ٤٢.
(٢) انظر: الدر المصون ١/ ١٢٢.
(٣) المسائل والأجوبة ٦٢.
(٤) البرصان والعرجان ٢٩٣.
(٥) البقرة ١٠٤.

<<  <   >  >>