للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)} [آل عمران: ١٣٣] (١)، فقد بَيَّنَ أنَّ معنى الآيةِ: بَادروا إلى ما يسترُ عليكم ذنوبَكم مِن رَحْمةِ الله، وما يُغطِّيها عليكم مِنْ عَفوِهِ، وبادروا أيضًا إلى جنةٍ عَرضُها كعرضِ السمواتِ السبعِ، والأَرضينَ السبعِ إذا ضُمَّ بعضها إلى بعضٍ، ثم قال: «وإِنَّمَا قيل: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، فوصفَ عرضَها بالسمواتِ والأَرَضِين، والمعنى ما وصفْنَا، من وصفِ عرضِها بعرض السموات والأرض تَشبيهًا به في السَّعَةِ والعِظَمِ، كما قيل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: ٢٨] (٢)، يعني: إِلَّا كَبعثِ نَفسٍ واحدةٍ، وكما قال الشاعر (٣):

كَأَنَّ عَذِيرَهُمْ بِجَنُوبِ سِلَّى ... نَعَامٌ قَاقَ في بَلَدٍ قِفَارِ (٤)

أي: عذيرُ نَعَامٍ، وكما قالَ الآخرُ (٥):

حَسِبْتَ بُغَامَ راحلتي عَنَاقًا! ... وما هيَ - ويبَ غَيْرِكَ - بِالعَنَاقِ (٦)

يريد: صَوتَ عَنَاقٍ» (٧).

وهذا الذي أشار إليه الطبري - معتمدًا على شواهد الشعر - هو من باب حذفِ المضافِ دون المضاف إليه، وقد حُذفَ لدلالةِ ما تقدم عليه من جهةٍ، ولإفادة معنىً لم يكن ليحصلَ للسامعِ لو لم يُحذفِ المضاف (٨). وهو باب من أبواب البلاغة.

هذا شيء من صور اعتماد الإمام الطبري على الشاهد الشعري في تفسيره «جامع البيان»، والذي يُعَدُّ بِحَقٍّ أقدرَ المفسرين على الاستفادة من


(١) آل عمران ١٣٣.
(٢) لقمان ٢٨.
(٣) هو شقيق بن جزء بن رياح الباهلي.
(٤) الكامل ٣/ ١٢٥٣، وسِلَّى موضعٌ بالبادية. انظر: معجم البلدان ٣/ ٢٣٢.
(٥) هو ذو الخرق الطهوي كما نسبه الطبري نفسه في التفسير (شاكر) ٣/ ٣٣٩.
(٦) يصف ذئبًا تبعه، كما في معاني القرآن للفراء ١/ ٦٢، مجالس ثعلب ١/ ٦١.
(٧) تفسير الطبري (شاكر) ٧/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
(٨) انظر: الصاحبي ٣٣٧، خصائص التعبير القرآني للمطعني ٢/ ٤٣ - ٤٧.

<<  <   >  >>