للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حبيب بن أوس فقال: «وأظلمَ: يُحتملُ أن يكون غير متعدٍ وهو الظاهر، وأن يكون متعديًا منقولًا من ظلم الليل، وتشهد له قراءةُ يزيد بن قطيب: (أُظْلِمَ) على ما لم يُسَمَّ فاعله (١). وجاء في شعر حبيب بن أوس:

هُما أظلما حاليَّ ثُمَّتَ أَجليَا ... ظلاميهما عن وجهِ أمردَ أشيبِ (٢)

وهو وإن كان مُحْدَثًا لا يُستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه» (٣). فهو هنا أورد البيت بعد القراءة الشاذة، فهو لم يورده بمفرده مع أنه احتج لما ذهب إليه باعتماد العلماء لروايته، فقاس لغته على روايته مع الفارق. وقد اشتهر قول الزمخشري هذا، غير أنه لم يوافقه عليه أحد، وفرقوا بين ثقته فيما ينقل، والاحتجاج بلغته، وقد تقدم.

ومن ذلك أنه استشهد بقول أبي تمام للمعنى في قوله: «فإن قلت: لا يخلو الأمر بالعبادة من أن يكون متوجهًا إلى المؤمنين والكافرين جميعًا، أو إلى كفار مكة خاصة، على ما روى عن علقمة والحسن، فالمؤمنون عابدون ربهم، فكيف أمروا بما هم ملتبسون به؟ وهل هو إلا كقول القائل:


(١) نقلها أبو حيان عن الزمخشري في البحر المحيط ١/ ٩٠، وفي النهر الماد كذلك له ١/ ٦٨، وفي المحرر الوجيز ١/ ١٣٩ نسبها للضحاك. ولم يتعرض لها ابن جني في كتابه «المحتسب».
(٢) ديوان أبي تَمَّام ٣١، وفي شرح التبريزي لديوان أبي تمام ١/ ١٥٠: «جعل (أظلم) ها هنا متعديًا، وذلك قليل في الاستعمال، وهو في القياس جائز، وهو على قياس من قال: ظَلَمَ الليلُ، في معنى أظلمَ. فإن ادّعي أن (أظلم) ها هنا غير متعدٍ، وأن (حاليَّ) منصوب كانتصاب الظرف، فإن قوله (أجليا ظلاميهما) يدفع ذلك؛ لأنه عدَّى (أجليا) إلى الظلامين».
(٣) الكشاف ١/ ٨٦ - ٨٧.

<<  <   >  >>