للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الميم. قال ابن مجاهد: وهي خطأ، قال أبو الفتح: ليس كذلك، ولكنه وجه غيره أقوى منه. وقد جاء في الشعر، قال أبو النجم:

قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الخِيَارِ تدَّعِي ... عَليَّ ذَنبًا كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ (١)

برفع (كُلّ). قال القاضي أبو محمد - هو ابن عطية: وهكذا الرواية، وبها يتم المعنى الصحيح؛ لأنه أراد التبرؤ من جميع الذنب، ولو نصب «كُلَّ» لكان ظاهر قوله أنه صنع بعضه». (٢)

ومما يدل على اختياره لبعض الأوجه النحوية في الآيات، أنه عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦] (٣) ذكر الأوجه الإعرابية لـ «ما» في قوله: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} ثم قال: «والذي يترجح أنَّ «ما» صلة مخصصة، كما تقول: جئتك في أَمرٍ مَا، فتفيد النكرة تخصيصًا وتقريبًا، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

سَلَعٌ مَا ومِثلُهُ عُشَرٌ مَا ... عَائِلٌ مَا وعَالتِ البَيْقُورا (٤)

وبعوضة على هذا مفعول ثان» (٥).

فابن عطية ذهب إلى أَنَّ إعرابَ (ما) أن تكون صلةً مُخصصةً، تفيدُ التخصيص والتقريب. و (بَعوضة) تكونُ مفعولًا ثانيًا للفعلِ (يَضرب)، وقد استند ابن عطية في إعرابه هذا على بيت أمية بن أبي الصلت، الذي وردت فيه (ما) صلةً مزيدةً ثلاثَ مرات. وهذا أحد الأعاريب التي قيلت


(١) انظر: ديوانه ١٥٠.
(٢) المحرر الوجيز ٥/ ١٢٤.
(٣) البقرة ٢٦.
(٤) السَّلَعُ والعُشَرُ شَجَرٌ، كانت العرب إذا أرادت المطر أضرمت النار في أذناب البقر بالسَّلَعِ والعُشَرِ، وقوله: وعالت البيقورا، يعني سنة الجدب أثقلت البقر بما حملت من الشجر والنار فيها، والعائل الفقير. انظر: تأويل مشكل القرآن ٦٩، وقال عيسى بن عمر: هذا البيت لا أدري ما معناه، ولا رأيت أحدًا يعرفه. انظر: مغني اللبيب ٤/ ١١١ - ١١٢، ديوان أمية بن أبي الصلت ٧٥، شرح أبيات المغني ٥/ ٢٨٣ وفيه تفصيل.
(٥) المحرر الوجيز ١/ ١٥٢ - ١٥٣.

<<  <   >  >>