للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متواضعين لا على هيئةٍ معينةٍ، والسجودُ يَعمُّ هذا كلَّه؛ لأنه التواضعُ، ومنه قول الشاعر (١):

........................ ... تَرَى الأُكْمَ فيها سُجَّدًا لِلحَوَافِرِ (٢)» (٣).

وقد يطيلُ ابنُ عطية النظرَ في اللفظةِ ويورد عَددًا من الشواهد الشعرية، ثُمَّ يَختارُ الوجه الذي يراه اعتمادًا على الشاهد الشعري، ومن ذلك أنه بعد أن ساق عبارات المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: ٢٣٥] (٤)، وأَنَّ منهم مَنْ فَسَّرَ السِّرَّ بالمواعدة على الخطبة بعد العدة على وجه الإسرار والإخفاء، ومنهم مَنْ فَسَّرَ السَّرَّ بالزنا، أي لا تواعدوهن زِنًا، قال تعقيبًا على هذه الأقوال: «هكذا جاءت عبارةُ هؤلاءِ في تفسير «السِّرِّ»، وفي ذلك عندي نظر.

وذلك أنَّ السرَّ في اللغة يقعُ على الوطءِ حَلالِهِ وحرامِهِ، لكنْ معنى الكلامِ وقَرينتُهُ تَردُّ إلى أحدِ الوجهينِ، فمن الشواهدِ قولُ الحطيئة:

ويَحْرُمُ سِرُّ جَارتِهِم عَليهِمْ ... ويأكلُ جَارُهُمْ أُنُفَ القِصَاعِ (٥)

فقرينة هذا البيت تُعطي أَنَّ السِّرَّ، أرادَ به الوَطء حَرامًا، وإلا فلو تزوجت الجارةُ كما يَحسُنُ لم يكن في ذلك عارٌ. ومن الشواهد قول الآخر (٦):


(١) هو زيد الخيل الطائي.
(٢) عجز بيت، وصدره:
بِجَيشٍ تَضِلُّ البُلقُ في حَجَراتِهِ .....................................
انظر: الكامل ٢/ ٧٣٥، الحماسة البصرية ١/ ٦١.
(٣) المحرر الوجيز ١/ ٢٣٠، للمزيد من الأمثلة انظر: ٢/ ٣٦٢، ٧٢.
(٤) البقرة ٢٣٥.
(٥) أُنُفُ القِصَاعِ أَوَّلُهَا، أي: يبدأون بالأكل من القصعة قبل غيرهم، انظر: ديوانه بشرح ابن السكيت ١٣٨.
(٦) هو مرضاوي بن سعودة المهري.

<<  <   >  >>